النص الكامل لبيان السودان أمام مجلس الأمن حول الفاشر
 
				أخبار سودان إكسبريس
بيان السودان أمام مجلس الأمن على خلفية أحداث مدينة الفاشر
المندوب الدائم/ الحارث إدريس الحارث
30 أكتوبر 2025م
السيد الرئيس،
السادة أعضاء مجلس الأمن الموقرين،
أودُّ في البداية أن أهنئكم على تولي بلادكم رئاسة المجلس لهذا الشهر، ونشيد بقيادتكم لأعمال المجلس وأجندته بكل حنكة واقتدار. واسمحوا لي أن أبدأ بالترحم على أرواح الأبرياء الذين تم قتلهم بوحشية في الفاشر خلال اليومين الماضيين، وادعوا بالشفاء للمصابين والعودة للمحتجزين قسرياً من قبل مليشيا الدعم السريع .
شكراً لكم،،،
السيد الرئيس، السادة أعضاء مجلس الأمن،
1. أتحدث إليكم وقد ذكرت لمجلسكم الموقر منذ عام 2023 إن مليشيا الدعم السريع المتمردة تسعى لتحويل دارفور والفاشر إلى تورا بورا جديدة، فمنذ عدة أيام أصبحت مدينة الفاشر، حاضرة شمال دارفور، رمزاً جديداً للمأساة الإنسانية التي يصنعها الإجرام المنظّم لمليشيا الدعم السريع الإرهابية ومن يرعاها ويقف خلفها ويموّلها ويغذّيها بالسلاح والمال والمرتزقة، والإسناد السياسي والدبلوماسي والإعلامي. إن ما يجري في مدينة الفاشر ليس حادثاً معزولاً، بل هو استمرارٌ لنمطٍ ممنهج من القتل والتطهير العرقي الذي ظلّت هذه المليشيا تمارسه منذ تمرّدها في أبريل 2023. إنّ مشاهد الإبادة التي شهدها العالم في غرب دارفور ضدّ قبيلة المساليت تتكرّر اليوم في مدينة الفاشر، حيث يتمّ ذبح الآلاف من المدنيين العزّل، وتُحرق الأحياء والأسواق، ويجرى نهب المرافق الطبية والمستشفيات وقتل من فيها، فبحسب بيان لمنظمة الصحة العالمية تم قتل 450 مريضاً ومرافقاً في المستشفى السعودي بالفاشر وهو آخر مرفق صحي كان يعمل بالمدينة بعد أن تعمدت المليشيا الإجرامية تدمير كل المرافق الصحية هناك أثناء حصارها وقصفها المتواصل للمدينة، وتقتل المدنيين والعاملين في الحقل الإنساني كما فعلت في مدينة بارا. كما يتم انتهاك النساء والفتيات في وضح النهار.. إنّ ما تقوم به هذه المليشيا لم يعد مجرّد انتهاكٍ لحقوق الإنسان، بل هو جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية جديدة بكل المعايير والتوصيف القانوني. وكي ندرك حجم الكارثة، فإن عدد الضحايا في مدينة الفاشر وحدها منذ دخول المليشيا إليها قبل أيام يفوق ضحايا الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من فبراير 2003، وهو رقم كفيل بأن يُحدث صدمة لدى أي ضمير حيّ. لم يعد هناك مدنيون في مدينة الفاشر فهم إما أبيدوا عبر هجمات الصواريخ والمسيرات والأسلحة الكيميائية التي استخدمتها المليشيا المتمردة أو قتلوا خلال وأثناء خروجهم من المدينة طلباً للأمان.
السيدات والسادة،
2. لقد ظلّت حكومة السودان تنبّه هذا المجلس والمجتمع الدولي في تواتر منتظم منذ عام 2023 إلى الطبيعة الشيطانية والإجرامية لهذه المنظومة الإرهابية، التي ليست سوى مليشيا قبلية تقودها أسرة واحدة مثل عصابات المافيا، وهي الامتداد الطبيعي لمليشيا الجنجويد سيئة الصيت التي ارتكبت أعمالاً صنفها حتى بعض أعضاء هذا المجلس على أنها إبادة جماعية. لا تمتلك هذه المليشيا أي شرعية سياسية أو وطنية أو دستورية، بل تقوم على ايدلوجيا التعالي العرقي والعنصرية ضد القبائل الأفريقية في دارفور وفي كل السودان، وديدنها النهب والانتهاك الممنهج للقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان. إن هذه المليشيا الإجرامية تستمد قوتها من ذهب دارفور المنهوب والمهرّب إلى أسواق راعيتها الإقليمية ومن الدعم الخارجي لذلك الراعي الإقليمي. ومع ذلك، اختار بعض الفاعلين الدوليين أن يساووا بين الدولة السودانية ذات السيادة وبين مليشيا متمرّدة تم وصمها بالإدانة والتقتيل الممنهج، مما شكّل خطأً أخلاقياً وسياسياً وقانونياً فادحاً.والأدهى من ذلك، أن هذه المليشيا توثّق جرائمها بالصوت والصورة وتبثّها للعالم كله، في تحدٍ سافرٍ للمجتمع الدولي ولمجلس الأمن، مستفيدةً من حالة الإفلات من العقاب ومن غياب أي رد فعل جاد يردعها أو يحاسبها على جرائمها وبالأخص الانتهاكات المتوالية لقرارات مجلس الأمن 1591 و 2736 التي فشل المجلس في تنفيذها معطياً ضوءاً أخضراً للتمادي بارتكاب الفظائع.
السيد الرئيس،
3. لقد زوّدت حكومة السودان هذا المجلس والمجتمع الدولي بأدلةٍ موثّقة تؤكد استعانة المليشيا بمرتزقة أجانب من دول الجوار ومن بلدان بعيدة من أمريكا اللاتينية، وأنّ عمليات تجنيدهم وتمويلهم وتهريبهم عبر الحدود لقتل السودانيين تتمّ برعاية وإشراف من الراعي الإقليمي المعلوم. إلا أن المجلس لم يتخذ حتى الآن أي إجراءات عملية لمساءلة هذه الجهات أو محاسبة الممولين والداعمين لهذه الجرائم وهذا الإرهاب أو تشكيل لجنة تقصي حقائق بشأنها.
4. إن مليشيا الدعم السريع تواصل تحديها الصارخ لقرار مجلس الأمن رقم 2736 (2024)، إذ استخدمت سلاح التجويع لمنع المساعدات الإنسانية عن سكان مدينة الفاشر، وفرضت عليهم حصاراً خانقاً، وحرمتهم من الغذاء والدواء، تمهيداً للانقضاض عليهم في مجزرةٍ جماعية مروّعة وقعت أمام أعينكم جميعاً وقد أعلنت ذلك قياداتها في فيديوهاتها. لقد حاصرت المليشيا المدينة لأكثر من عام ونصف، وقطعت طرق الإمداد، ثم انقضّت على سكانها لتنفّذ مجازر جماعية تُعيد إلى الأذهان أبشع صور الإبادة التي شهدها العالم. أمام هذه الوقائع، يتساءل الشعب السوداني، ومعه مناصرو الضمير الإنساني الحر: أين هو مجلس الأمن؟ وأين هي مسؤولياته الأخلاقية والقانونية بموجب ميثاق الأمم المتحدة؟ أليس من واجب هذا المجلس أن يتصدى لمن يرتكب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، تماماً كما فعل في حالات أخرى في مناطق مختلفة من العالم.
5. ومن منطلق مسؤولياتنا الأخلاقية والقانونية تجاه مواطنينا ورغم محدودية الإمكانيات، وحجم التدمير الممنهج وواسع النطاق، استمرت حكومة السودان في سياسة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية لجميع المواطنين المتأثرين بالحرب المفروضة على السودان واتخذت وتتخذ من التدابير العملياتية ما يسهل من تسريع وإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين وذلك بزيادة المعابر الحدودية إلى (13) معبراً بما في ذلك تمديد فتح معبر أدري الحدودي حتى نهاية العام الجاري، وزيادة عدد المطارات لتصل سبع مطارات. بالإضافة لتمكين المنظمات الدولية من استخدام جميع المسارات الداخلية بين الولايات للوصول الإنساني، وإعفاء كافة واردات العمل الإنساني من المنظمات الدولية والدول المانحة من الرسوم الجمركية والضريبية وغيرها والتي قدرت بحوالي 2,5 مليار دولار. كما أنجزت الحكومة أكثر من 80,500 إجراء إداري وفني لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية على المستويين الاتحادي والولائي شملت تأشيرات الدخول وإعفاءات جمركية وضريبية وأذونات حركة شاحنات المساعدات الإنسانية وتجديد وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية وغيرها من الإجراءات.
السيد الرئيس،
6. إنّ حكومة السودان تؤكد مجدداً التزامها الثابت بالقانون الدولي الإنساني وبحماية المدنيين، وهي تعمل مع الأمم المتحدة ووكالاتها لتسهيل وصول المساعدات إلى جميع المحتاجين، بما في ذلك في المناطق التي تشهد نزاعاً. – لم يعد هناك مدنيون في مدينة الفاشر فهم إما أبيدوا عبر هجمات الصواريخ والمسيرات والأسلحة الكيميائية التي استخدمتها المليشيا المتمردة أو قتلوا خلال وأثناء خروجهم من المدينة طلباً للمواقع الآمنة.
7. كما تلتزم الحكومة بمواصلة جهودها لتحقيق سلامٍ شاملٍ ومستدام، قائم على حلّ سوداني وطني خالص يرفض الوصاية والتدخل الخارجي، ويعتمد الحوار بين أبناء الوطن في إطار احترام السيادة ووحدة التراب الوطني. إنه لمن المؤسف حقاً أنّ مليشيا الدعم السريع ارتكبت هذه الفظائع بينما كان وفداً سودانياً رسمياً برئاسة وزير الخارجية يُجري مشاورات في العاصمة واشنطن حول سبل إنهاء الحرب وتحقيق السلام. هذه المفارقة المأساوية تكشف طبيعة هذه الجماعة وداعميها التي لا تؤمن بالسلام ولا بالعملية السياسية ولا بمناشدات الأمين العام، بل تتغذّى على الحرب والفوضى والإرهاب.
8. عليه، فإن حكومة السودان تدعو هذا المجلس الموقر إلى ما يلي:
• الإدانة الصريحة والقاطعة للمجازر التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع ومرتزقتها الأجانب وداعميها الإقليمين في الفاشر وعموم السودان بلغة صريحة ومشددة.
• تصنيف مليشيا الدعم السريع منظمةً إرهابية وفقاً للمعايير الدولية لمكافحة الإرهاب، وتجريم كل من يتعامل معها أو يمدها بالسلاح أو المرتزقة أو المسيرات ويسمح لعبورها عبر حدودهم وإن هذه الأسلحة لا تهبط من السماء.
• فرض عقوبات مستهدفة على كل من يموّل هذه المليشيا أو يمدّها بالسلاح أو يوفر لها الملاذ الآمن من الدول والأفراد وهم معروفين لديكم. ونطالب المجلس بالشروع في إجراء تحقيق للإبادة الجماعية لسكان مدينة الفاشر دفعاً لمساعي المساءلة وإن المليشيا تصدر يومياً تهديدات بالقتل الجماعي، وإن القوات المسلحة عثرت على أسلحة من دول غربية ورادارات متطورة من نيالا ستعرض في مؤتمر صحفي قريباً.
• ضمان التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2736 (2024) و 1591 (2005) . حيث أثبت الشهود في دارفور أن بعض دول الجوار شاركت في قتل المواطنين مناصرة للمليشيا.
• دعم خارطة الطريق التي قدّمتها حكومة السودان للأمين العام للأمم المتحدة ودعم حكومتها الانتقالية الحالية، والتي تقوم على وقف دائم للقتال، ونزع وتسليم المليشيا لسلاحها، ليتم توحيد القوات المسلحة السودانية تحت قيادة وطنية واحدة وهذا يعد عنصراً مهماً للحد من انتشار السلاح.
• إدانة الطيران الأجنبي الداعم الذي تدخل طوال الأسبوع الماضي داعماً لعمليات المليشيا واستهداف مواقع تمركز الفرقة السادسة مشاة والذي أطلق غاز الأعصاب المحظور دولياً ويتم استخدامها في مدينة الفاشر وما حولها.
السيد الرئيس،
9. أود أن أكون واضحاً: لن يكون هناك تفاوض مع هذه المليشيا الإرهابية ما لم تضع السلاح وتوقف عدوانها على الشعب السوداني. لا يمكن الحديث عن السلام في ظل الإبادة والقتل الجماعي، ولن يقبل الشعب السوداني الحوار مع من أرتكب بحقه أبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية أو إشراكه في الحكم كما تريد بعض الدول الغربية، وأن السودان سيقاوم مشروع التفكيك الدولي ورعاته الإقليميين والدوليين وسيعول على مجد البندقية لدحرهم بحق الدفاع عن النفس بموجب الميثاق.
10. إنّ استمرار صمت المجتمع الدولي تجاه ما يجري في السودان من جرائم ترتكبها المليشيا ورعاتها الإقليميين لن يُفسَّر على أنه حياد، بل على أنه تواطؤ مشين بالصمت وتحريض بالإشارة، والشعب السوداني لن ينسى من تسبب له في هذه الكوارث ومن تجاهل معاناته وتشريده.إنّ السودان لا يطلب الشفقة فالله وحده هو الرءوف الرحيم، بل يطالب باستعادة المعايير الأخلاقية التي قامت عليها هذه المنظمة الدولية، ليقف مجلس الأمن موقفاً شجاعاً منسجماً مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تحرّم العدوان الخارجي وتحمي الشعوب من الإبادة الجماعية.
 
			