في حكاياتنا مايو…. أزمة دراما أم أزمة وعي
أخبار سودان إكسبريس
مقال بقلم: عماد البشرى
عندما حاورت الراحل الأكاديمي والدبلوماسي دكتور حسن عابدين عليه رحمة الله في سهرتي (أسمار المساء) وجهت له سؤالا بوصفه أحد الذين عملوا مع مايو ومن ثم الإنقاذ وكان فحوى السؤال لماذا كان تخليد الإنقاذ لتجربتها ثقافيا ضعيف ؟
هل السبب انشغالها بترسيخ فكرة الجهاد في السنوات الأولى لهذه التجربة أم جدل التحليل والتحريم فيما يتعلق باستيعاب الفنون خاصة أنها وقتها كانت طارحة لمشروع كبير (كما يحلو للعزيز بابكر يحي أن يقول) فخشيت اصطدام المشروع بالإنفتاح الثقافي الممكن وأعنى مايختص بالفن بكافة أشكاله.
لكن بعد تأمل بسيط تجد عزيزي القارئ أن الأزمة ليست في الإنقاذ وحدها ، بل تطال حتى مايو نفسها وقبلهن حكومة نوفمبر كحكومة أيضا أشبه بالثورية لكن بالطريقة الشمولية، نعم كان من حظ مايو في بداية انفعال الشارع العام بها أن اليسار الثقافي احتضنها وروج لها فكانت أشعار محجوب شريف وعلي عبدالقيوم وحتى الفيتوري الذي نعى لاحقا عبدالخالق محجوب السكرتير العام للحزب الشيوعي بعد إعدامه ، نعم سارت القصائد والأناشيد بين العامة والجماهير مماعزز خطاب الطبقة العاملة التي يراهن عليها الحزب الشيوعي دائما في كل خطاباته وهيجانه الثوري.
لكن الأزمة الحقيقية هي أن الفن ليس هو الغناء وحده بل هناك أوجه للفن أقوى وأكثر تأثيرا مثل الدراما والتي توجد فيها أدق توصيفات المشاعر الإنسانية لحظة النصر والإنكسار والصمود والترقب .
أجل سادتي أغفل العقل المؤرخ الإبداعي السوداني قيمة الدراما السياسية في التوثيق للأحداث والشخوص والصراعات
فلم تحفل درامتنا بمسلسل واحد لرجل عظيم مثل أحمد خير المحامي مثلا ولم تتناول دراما تاريخ قائد ورئيس شجاع ووطني مثل نميري . حتى كتاب اليسار لم يحتفلوا بعبدالخالق في عمل درامي
وأظن أن الكاتب حسن الجزولي قد حقق نصرا في كتابه (عنف البادية) الذي يحكي الأيام الآخيرة لعبدالخالق محجوب بتفاصيل درامية حقيقية ولطيفة(ودوى أزيز المشنقة) يحتاج هذا الكتاب فقط لسيناريست يوسع فيه الحوار ويخلق تيمة لعمل كبير يصلح فيلما يمكن أن ينال جوائز محترمة .
ماتفعله الدراما الوثائقية أخطر من كل ماتقرأه في كتب التاريخ أو المذكرات لأنها تخاطب العاطفة فيك فربما بها تكره شخصا ما وربما تحبه.
لاشك عندي أننا مقصرين جميعا في التعريف بابطالنا وشخوصنا وحكاياتنا وأن درامتنا عرجاء تنحصر في العاطفة الساذجة وحتى لغة الحوار دوما تنتمي إلى ريف من الأرياف لاترقى أن تكون لغة باعثة ودافعة للتحضر والرقي
أحمد للدكتور المخرج أبوبكر الشيخ انتباهته في عامين متتاليين من عمر هذه الحرب اللعينة أن أدار مؤشر الإبداع في انتاج عملين دراميين توثق للفظائع والكوارث التي نتجت من الحرب .
تحضرني قصة حكتها الفنان الكبيرة عفاف شعيب عندما رفضت تقديم دور شريفة الهجان في المسسلسل الضخم (رأفت الهجان) تفاجأت بمكالمة من الوزير صفوت الشريف يأمرها أمرا بتقديم الدور ومذكرا لها أن العمل لانقاش فيه فقط لأنه يعبر عن تاريخ مصر وبطل من ابطاله.
نحفل بالعديد من الأبطال في حياتنا السودانية لكن لم يفتح الله على كاتب واحد بانتاج عمل وكتابته لصالح الناس ، رغم بعض المحاولات الخجولة مثل مسلسل ( اللواء الأبيض)
هل الأزمه أزمة إبداع أم أزمة دولة أم أزمة وطن باكمله
وماتزال في حكاياتنا مايو وفي شعاراتنا مايو
