آخر الأخبار

محمد الفاتح العالم… مره وهذا الأثر 

بقلم دكتور مصطفي سيد مبارك

رحل محمد الفاتح العالم، الرجل الذي كان إذا مرَّ في الطريق ترك وراءه أثرًا من طيبةٍ وندى، وإذا تحدث، نثَرَ في القلوب سلامًا وطمأنينة. كان من أولئك القلائل الذين يعيشون للناس لا لأنفسهم، الذين يتنفسون العطاء كما يتنفسون الهواء، فإذا ابتعدوا، شعرت المدينة بأنفاسهم تنقص، وبأن الضوء قد خفَت قليلاً.

لم يكن الراحل مجرد اسمٍ في دفتر الحياة، بل كان حكاية طيبةٍ تمشي على قدمين. رجل جبل على الخير والبذل والعمل الإنساني، أحبَّ التطوع كأنه صلاة، وخدمة الناس كأنها رسالة. كان يبتسم في وجه العابر والغريب، ويتعامل مع الجميع كأنهم أبناء روحه، فيرى في كل وجه قصة تستحق الإصغاء، وفي كل وجعٍ مهمة يجب أن تُنجز.

كان محمد الفاتح العالم صديقًا لكل الأجيال — الشاب يجد فيه أبًا وصديقًا، والكبير يرى فيه الابن البارّ، والزميل يراه رفيق دربٍ لا يتبدّل. في حضرته يذوب الفارق بين الناس، لأن قلبه كان أكبر من المسافات، وأنقى من الخلافات.

لم يكن يبحث عن الأضواء، بل كان هو الضوء نفسه. يجري في عروق العمل الإنساني كنبعٍ صافٍ لا يطلب الشكر ولا ينتظر الجزاء. كان يؤمن أن السعادة الحقيقية هي أن ترى أثر يدك في ابتسامة إنسانٍ مجهول، وأن الخير لا يُقال، بل يُفعل.

واليوم، حين غاب، أحسَّ الجميع أن شخصًا استثنائيًا قد مضى… كأن قطعة من الروح تسللت من بين الأصابع، تاركةً وراءها عبيرًا لا يزول. رحل الجسد، لكن سيرته تمشي بين الناس كنسمةٍ من المحبة لا تعرف النهاية.

وها نحن نودّعه بالكلمات التي كان يحبها، كلمات الأبنودي التي تشبهه في صدقها وإنسانيتها، إذ يقول:

 

“وعدّي النهار، والمغربية جاية…

تتخضّب شمسنا بلون الغياب،

لكن ع الضفة التانية… لسه الضيّ باق،

ولسه في الحلم ألف باب…”

 

سلامٌ عليك يا محمد الفاتح العالم،

يا من كنتَ تمشي على الأرض وكأنك من ضوء،

يا من جعلت من حياتك مرجًا من الخير ومن قلبك وطنًا لكل الناس.

نم مطمئنًا، فقد زرعت فينا بذور المحبة،

وسنرويها كل يومٍ بدعائنا وذكراك الطيبة.

 

 

 

 

 

الانضمام لمجموعات سودان إكسبريس في واتساب