محمد زكي يكتب عن الصادق المهدي: “في يوم الحب نتذكر رمز الحب”
بقلم محمد زكي شمس الدين “مدير مكتب الامام الراحل الصادق المهدي”
اليوم الاحد 14 فبراير 2021 ، يحتفل العالم كله جميعه باليوم العالمي للحب والمحبة او يوم القديس فالنتين :Valentine’s Day وتقول الاسطورة ان الامبراطور الروماني منع الزواج لكي يتفرغ الشباب للحرب. عصى القديس فالنتين امر الامبراطور ، وصار يزوج الشباب سراً ، وعند إكتشاف امره ، تم اعدامه ، فمات شهيداً . وصار العالم يحتفل بيوم الحب ، وفي الثقافة الاسلامية يوم الزواج .
في الثقافة الاسلامية ، يرتبط الحب بين الرجل والمرأة بالزواج .
يحث الإسلام على الزواج عن حب ، وينهى عن العزوبية . والزواج من سنن الأنبياء والمرسلين فيقول الله في الآية 38 في سورة الرعد :
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً …
إنّ الزواج في الإسلام مبني على قضاء شهوة الإنسان بما يرضي الله سبحانه وتعالى، بعيدًا عن الفحشاء والمنكر والزنا والسفاح، لهذا بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم لمعشر الشباب أهميته، بقوله:
(يا معشرَ الشبابِ مَنِ اسْتطاع منكمُ الباءةَ فليتزوجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصنُ للفرجِ) .
ردد الناس مع القطب الصوفي ابن عربي ، مفهوماً اشمل واوسع للحب … حب الانسان للانسان ، وحب الانسان للحيوان ، وحب الانسان للنبات ، وحب الانسان لكل وجميع مخلوقات الله .
قال أبن عربي :
“أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه، فالحب ديني وإيماني”.
وفي الثقافة المسيحية ، تجد في الانجيل مقولة :
“ومن لا يحب لم يعرف الله، لأن الله محبة”.
وفسر الانجيل مقولة ( الله محبة ) فقال نصاً :
” المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها. ولا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق. وتحتمل كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبدا”.
في عيد الحب ، نفتقد حبيبنا وحبيب الكل ، الحبيب الامام الصادق المهدي ، الذي كان يحتفل بعيد الحب صباح كل 14 فبراير ، بتوكيد حبه للناس كل الناس ، وللحيوان ، وللنبات ، وحتى الحجر . كان الحبيب الامام ينتهز فرصة عيد الحب فيكتب عن حبيبه المصطفى المعصوم ، ويسطر صفحات مشرقات في السيرة النبوية .
عندما كنا نخاطبه ، ويخاطبه بعضنا :
ياسيدي …
يستنكر كلمة ياسيدي ، ويطلب منا في ادب جم ان نخاطبه بالحبيب ، ويتسآل مداعباً :
( أبوي دي مالا ؟ ) .
من مقولات حبيبنا الامام المأثورة :
تهادو تحابو.
فكان يوزع الهدايا في عيد الحب لكل من حوله ولكل زائر … وكان يهدي اعز ما عنده وهي الكتب ، ويردد إنه خير جليس وخير حبيب في الزمان .
ومقولة اخرى للحبيب الامام :
الماعندو محبة ماعندو الحبة.
وكان يرد دائماً :
ان نفس لم يشرق الحب فيها هي نفس لم تدري ما معناها . أنا بالحب قد عرفت نفسي ، و بالحب قد عرفت الله.
يقول الحبيب الامام :
محمد قدوتي ، والحب مذهبي .
ولذلك كان يخاطب الجميع ب ( يا حبيب) .
نعم … ظل الحبيب الامام يردد كلمة واحدة ، يخاطب بها القريب ، والغريب ، الصديق والعدو ، حتى صارت ماركة مسجلة باسمه ، وهي كلمة :
يا حبيب ويا حبيبة .
عُرف الحبيب الامام محبوباً إنغرس في قلبه ووجدانه وصار يجري مجرى الدم في عروقه … وهو السودان الوطن العزيز.
وكان يردد دائما:
مــــــــن نبع قلبٍ هوى السودان أضنـاه
قــــد همت فــــــي حبــــه منذ الصبــــــا
وإلى أن ينتهي أجلي أهـــواه أهــــــــواه
كـــــم غازلتني بنـــــــات الشعر فيــــــه
كمـا قـــد غازلت قيسَ عند الوصل ليلاه
ففــــي السويــــــداء من قلبي مكانتـــه
إن مسه الضـــــــر مـــا يلقاه ألقــــــــاه
لا يعتبر الحبيب الامام الوطن ظاهرة جغرافية ثابتة على الارض ، فالسودان يرتحل في قلب الحبيب الامام اينما حل ، فهو دوماً معه في حله وترحاله ، في صحوه ومنامه .
في عرف الحبيب الامام ، تفترض المحبة الإحسان ، والتسامح ، والمغفرة ، ومن تصدق به فهو كفارة له اي العفو .
في عرف الحبيب الامام ، تفترض المحبة عدم ظلم الآخر ، وأن نقول له حُسناً ، ونبتسم في وجهه ، ونتصدق على الآخر المحتاج .
يُعرف الحبيب الامام المحبة بانها قمة القمم . المحبة هي قمة جبل الطور الذي وقف عليه موسى وهو يتلقى الالواح . المحبة هي قمة جبل الزيتون المقدس الذي وقف عليه يسوع وهو يلقي خطبة الجبل . المحبة هي قمة جبل عرفات الذي وقف عليه محمد وهو يلقي خطبة الوداع .
كان الحبيب الامام يجاهد بالمحبة والحسنى وبالتي هي احسن لكي يزيل من الوجود مجتمع وثقافة الثلاثينية الظلماء ، التي عمقت الكراهية والحقد والقتل والتعذيب ، وعملت على إقامة وتوطين مجتمع يجد البعض فيه ما لا ينفقون ، ولا يجد البعض الآخر ما ينفقون . كان الحبيب الامام يجاهد لإقامة مجتمع العدالة الاجتماعية حيث يجد الكل ما ينفقون .
وجاء بخاطري حدث يجسد وفاء ومحبة الحبيب الإمام لزملاء الكفاح والنضال:
+ في يوم الاثنين 19 ديسمبر 2011م ، الذي وافق بالمصادفة البحتة الذكرى ال 56 لاعلان الاستقلال من داخل البرلمان ، زار الحبيب الامام ، معاوداً ، زميل الكفاح الاستاذ محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي ، الذي كان مريضاً طريح الفراش في داره في الخرطوم .
داعب الحبيب الامام رفيق الكفاح السياسي وصديقه في حميمية ودودة ، سالت معها دموع مصور صحيفة اخبار اليوم البارع العم رضا حسن ، الذي تأثر جدا ، وهو يلتقط صورة للحبيب الامام وهو يطبع قبلة الحنو السوداني الودود على رأس الاستاذ محمد ابراهيم نقد الذي سالت دموعه هو الاخر، معبرا بذلك عن تجاوبه مع المشاعر الانسانية للحبيب الامام ، كما تظهر الصورة ادناه :
حرض الحبيب الامام صديقه محمد ابراهيم نقد على مقاومة اعتقال المرض ، بان اهدى له كتابا من مؤلفاته العديدة .
قطع الاستاذ نقد وعدا للحبيب الامام الصادق بان يسعى جاهدا ويغالب فتور واعياء المرض بالاطلاع على الكتاب .
استمر الحبيب الامام في ارسال سيل من دعاباته ، وهو يذكر الاستاذ محمد ابراهيم نقد بسنوات الاعتقال ، ويقول بانه من صبر على اعتقال السجون سوف يصبر على اعتقال المرض .
وداعبه قائلا :
انت اصغر مننا يا استاذ محمد ابراهيم وما تفتكر انك عييت لانك كبرت.
اعطني مثالاً يجسد المحبة والوفاء والحساسية والشفافية والرقة اكثر من هذا الحدث .
وبعد نختم بكلمات للحبيب واستاذي عبدالرسول النور ونقول كأن احباء الحبيب الامام يوم انصرافه .. نجوم سماء خر من بينهن البدر!!
توالت الايام ولا يزال الجرح الأليم ينزف الدم القاني ، ولازال ألم الفراق مقيما بين الضلوع.. قالوا.. كذبا.. أن كل شيئ يبدأ صغيرا ثم ينداح ويكبر الا المصيبة تنزل كبيرة ثم تصغر شيئآ فشيئا حتى تتلاشى وينساها الناس أو يتناسوها.. فإنما سمي الإنسان لانه ناسي.. فما بال فقد الحبيب الامام لا يزال رغم الايام .. ماثلاً ويزيد..
لم يكن الحبيب الامام شخصا عاديا يهون فقده بمرور الايام.. فقد كان أمة من الفضائل ومكارم الاخلاق محبة ، وكرما ، وشهامة ، وتفانيا ، ووفاء ، وعطاء ، وبلاء.
لا للتطبيع .. لا للتطبيع .. لا للتطبيع
لقد شيعنا حقاني إلى الحق
( إنّ إلى ربك الرجعى )