خطاب العرش 2022 في المملكة المغربيةّ.. خطاب التفاؤل بمستقبل واعد
خطاب العرش 2022 في المملكة المغربيةّ.. خطاب التفاؤل بمستقبل واعد
بقلم: إسماعيل الحلوتي
كما عودنا على ذلك في رسائله وخطبه الواضحة والمباشرة، والتي تأتي على الدوام ومنذ توليه مقاليد الحكم، حافلة بالتوجيهات السامية والدروس والعبر المجدية في جميع المجالات، لما تتميز به من أفكار تهدف إلى تحسين ظروف عيش المواطنين، النهوض بأوضاع المرأة، تجويد الخدمات العمومية وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، عاد ملك المغرب محمد السادس في خطابه الموجه إلى الأمة مساء يوم السبت 30 يوليوز 2022 بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه الميامين، لتناول عديد القضايا ذات الأهمية البالغة اجتماعيا واقتصاديا، دون إغفال الحديث عن العلاقة مع دولة الجزائرالشقيقة.
فإلى جانب ما جاء به خطابه التاريخي من رسائل لا تحتاج إلى كبير عناء في فهم مقاصدها وأبعادها من حيث التذكير بتدبير مرحلة جائحة “كوفيد -19” وتضافر جهود المواطنين والسلطات في مواجهة آثارها، استكمال التغطية الصحية الإجبارية، مشكل غلاء الأسعار، الدعوة إلى التعجيل بإخراج السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأساسية لمنح الدعم لمستحقيه، ولاسيما منهم العائلات الهشة والفقيرة، وضمان نجاعته، والشروع في تعميم التعويضات العائلية تدريجيا ابتداء من نهاية سنة 2023.
وعلاوة على ما تضمنه من بارقة أمل في المستقبل وطموحات كبرى في بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي يستدعي توطيد ركائزه انخراط جميع أبنائه، نساء ورجالا، وبالأخص المشاركة الكاملة للمرأة في جميع المجالات. مذكرا بأهم الإصلاحات التي قام بها، والمتمثلة أساسا في إصدار مدونة الأسرة والارتكاز على دستور 2011 في تكريس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات وتحقيق مبدأ المناصفة، والحرص على إعطاء المرأة حقوقها القانونية والشرعية.
إذ أوضح أنه بصفته أميرا للمؤمنين، لا يمكنه أن يحل ما حرم الله ولا أن يحرم ما أحل الله، وبالخصوص في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية، وإنما يدعو إلى ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل لمقتضيات مدونة الأسرة، التي لا تهم فقط المرأة دون الرجل ولا العكس بل تهمهما معا والأطفال كذلك، والسهر على تجاوز سلبيات تجربتها ومراجعة بعض البنود التي تحول دون تحقيق أهدافها…
وإضافة إلى ما دعا إليه من تعزيز آليات التضامن الوطني والتصدي الصارم للمضاربات والتلاعب بالأسعار، حيث قال بوضوح تام: “إن أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها إلى تحقيق أرباح شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة” مؤكدا على أن هذا السلوك غير السوي هو الذي تجب محاربته، و العمل في المقابل على تسهيل جلب الاستثمارات الأجنبية، التي تختار بلادنا في هذه الظروف العالمية، وإزالة العراقيل أمامها…
وقد أبى جلالته إلا أن يعود مرة أخرى إلى الحديث عن العلاقات الأخوية مع الجارة الشرقية الجزائر، إذ لم يفته تجديد التأكيد على أن “الحدود الي تفرق بين الشعبين الشقيقين، الجزائري والمغربي، لن تكون أبدا حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما، بل نريدها أن تكون جسورا، تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر، وأن تعطي المثل للشعوب المغاربية الأخرى.”
من هنا وبناء على إعادة الدعوة إلى رئيس الجزائر بأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد لبناء المستقبل المشرق، يتضح جليا إلى أي حد يتمسك ملك المغرب بموقفه الأخوي النبيل لطي صفحة خلافات الماضي، وحريص أيما حرص على تعزيز أواصر العلاقات والتقارب بين البلدين الشقيقين، مما يؤكد على أن هذه الدعوة منبثقة من المرجعية الدينية وإمارة المؤمنين، وتطلعه الدائم إلى محاولة تصفية الأجواء بما يخدم مصلحة الشعبين، اللذين تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية ووحدة المصير المشترك…
كما لا ينبغي أن ننسى أن ملك البلاد محمد الساس حرص أيضا وفق عادته وفلسفته ذات الرؤية الاستشرافية الثاقبة، على دعوة المواطنين المغاربة إلى مواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن وحسن الجوار مع الجزائر، عدم الانسياق خلف الشائعات والأقاويل المغرضة والرامية إلى إشعال نيران الفتنة، وضرورة احترام الروابط التاريخية مع الأشقاء الجزائريين. وشدد كذلك على عدم السماح لأي كان بالإساءة للجزائر، مؤكدا للأشقاء الجزائريين بأنهم سيجدون دائما المغرب والمغاربة إلى جانبهم، مهما كانت الظروف والأحوال…
إننا إذ نثمن عاليا ما جاء به الخطاب الملكي من رسائل تبعث على الارتياح والتفاؤل بالمستقبل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، فإننا نأمل أيضا أن تجد الدعوة الملكية المباركة التي تصادف حلول السنة الهجرية الجديدة 1444 الآذان الصاغية لدى الرئيس الجزائري ومعه كل حكام قصر المرادية، وألا يعيد صد الأبواب من جديد، كما حدث خلال السنة الماضية حين دعاه الملك محمد السادس في خطاب “اليد الممدودة” إبان احتفالات الشعب المغربي بعيد العرش المجيد، إلى العمل سويا من أجل تطوير العلاقات الأخوية، فكان الرد صادما ومخيبا لآمال الشعبين الشقيقين، قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد، تحت ذرائع أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها واهية، غير منطقية، و غير مؤسسة.
إسماعيل الحلوتي