الأضحية ما بين الشعيرة الدينية والعادة الاجتماعية
بقلم – حسام الدين كرنديس
تعد الأضحية من أبرز شعائر الإسلام التي يحرص المسلمون على إحيائها سنويا في عيد الأضحى المبارك إلا أن مظاهرها في المجتمعات الإسلامية قد تجاوزت أحيانا حدود العبادة لتأخذ طابعا اجتماعيا عميقا، فهي في ذات الوقت عبادة يبتغى بها وجه الله، وعادة اجتماعية مترسخة تميز المناسبة وتظهر الفرح والتكافل، فما بين الشعيرة الدينية والعادة الاجتماعية، تتشكل الأضحية في حياة المسلمين بطابع فريد يجمع بين الروحانية و المظهر المجتمعي.
معانى الأضحية ومشروعيتها
الأضحية هي ما يذبح من بهيمة الأنعام تقربا إلى الله في وقت محدد.
وفي الشرع ذبح ما يجزئ من الإبل أو البقر أو الغنم، في أيام النحر، بنية القربى لله، اتباعا لسنة النبي ﷺ.
وقد شرعت الأضحية في الإسلام اقتداء بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، حين أمره الله بذبح ابنه، فامتثل الأمر حتى فداه الله بذبح عظيم.
قال الله تعالى:
( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (الكوثر: 2) وقال أيضا: ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ) (الحج: 37).
وفي الحديث:( ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إراقة دم… ) (رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه الألباني).
الجانب الديني : الأضحية عبادة وطاعة
من الجانب الديني، تعتبر الأضحية شعيرة عظيمة تعبر عن الطاعة المطلقة لله، وتجسد معاني الفداء، والتقرب، والتسليم لأوامر الله. وهي سنة مؤكدة عن النبي ﷺ، وتكفي عن المضحي وأهل بيته.
شروطها الشرعية :
أن تكون من بهيمة الأنعام ، أن تبلغ السن الشرعي، أن تكون سليمة من العيوب، أن تذبح في الوقت المحدد (من بعد صلاة العيد حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق)، أن تذبح بنية الأضحية تقربا إلى الله.
من يجب عليه أن يضحي؟
اتفق جمهور العلماء على أن الأضحية سنة مؤكدة على المسلم القادر، وهي واجبة عند الحنفية على من توافرت فيه الشروط التالية:
أن يكون مسلما حرا مقيما (غير مسافر).
أن يكون مقتدرا ماليا، أي يملك ما يزيد عن حاجاته الأساسية من طعام وسكن وملبس في أيام العيد.
أن تكون النفقة على الأضحية من ماله الخاص، ولا يجب على الفقير غير القادر.
الجانب الاجتماعي : عادة متوارثة ومعلم من معالم العيد
في كثير من المجتمعات الإسلامية، وخاصة في السودان ، أصبحت الأضحية مظهرا اجتماعيا يتجاوز الغرض التعبدي، لتصبح من مظاهر البهجة، والكرم، والاحتفال الجماعي.
تتزين البيوت وتشترى الأضاحي قبل العيد بأيام و ربما بأسابيع، ويبدأ الاستعداد النفسي واللوجستي لها.
الذبح يتم غالبا أمام الأبناء والأهل بهدف غرس القيم الدينية وتعظيم الشعائر.
توزيع اللحوم على الأقارب والفقراء والجيران ،حيث يعزز من صلة الرحم والتكافل الاجتماعي.
حتى غير القادرين قد يشعرون بضغوط اجتماعية اذ لم يتمكنوا من القيام بالأضحية ، لذلك يبحثوا بكل الطرق لكي يضحوا حتى لو بالسلف ( الدين ) لكي يحافظوا على المظهر الإجتماعي العام، مما يحولها في بعض الحالات إلى عادة اجتماعية أكثر من كونها شعيرة دينية.
تداخل الشعيرة بالعادة : بين القصد والواقع
رغم أن الأصل في الأضحية هو التعبد، إلا أن المظاهر المصاحبة لها قد تؤدي إلى إضعاف هذا الجانب عند بعض الناس، وتحولها إلى مجرد طقس اجتماعي مرتبط باللحم، والضيافة، والمفاخرة أحيانا، متناسين قوله تعالى ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ).
ومن هنا، ينبغي إعادة التأكيد على البعد التعبدي للأضحية، وأنها ليست واجبا اجتماعيا بقدر ما هي قربى لله، يثاب عليها المؤمن ويعفى منها غير القادر دون حرج.
اخر الكلام
الأضحية تجمع بين قدسية العبادة ودفء التقاليد، فهي في جوهرها عبادة عظيمة تذكرنا بتضحيات الأنبياء، وترسخ فينا معاني الفداء والإخلاص، لكنها أيضا مناسبة اجتماعية تفيض بالفرح والعطاء والتراحم، فلتكن أضحيتنا خالصة لوجه الله، ولنعمل على إحياء معناها الحقيقي في نفوسنا ونفوس أبنائنا، حتى لا تطغى العادة على الشعيرة.