آخر الأخبار

رسالة فى بريد السيد رئيس الوزراء: إعط كل إهتمامك للحرب الموازية الخفية.. حرب المخدرات فى السودان

لواء شرطة (م) دكتور /  نجم الدين عبد الرحيم خلف الله

إن كان مجلس السيادة و القوات المسلحة و القوات النظامية منشغلة بحرب الكرامة لدحر المليشيا الباغية فإن هناك حرباً خفية تديرها المليشيا و من يقف خلفها، لترويج المخدرات ونشر الإدمان وسط أبناء و بنات السودان، حتى تكتمل حلقة إقعاد إنسان السودان و حكومته عن إعادة بناء دولته و إعمارها، وهذه الحرب تنتظر من الحكومة المدنية تفعيل كل المؤسسات المعنية بالمكافحة و التوعية لخفض المعروض من المخدرات فى السوق السوداني و كذلك خفض الطلب عبر التوعية المستمرة للشباب.

تُستخدم المخدرات فى كل دول العالم لتحقيق هدفين لا ثالث لهما، فإما يهدف تجار المخدرات إلى تحقيق الربحية العالية و السريعة من عائد بيعها، أو تهدف بعض الدول الامبريالية و المنظمات إلى استهداف دول أخرى لأسباب مختلفة و متعددة ، و يشهد التاريخ أن دولاً عظمى مثل الصين تنازلت عن أجزاء عزيزة عليها من أراضيها بأسباب إدمان الشعب الصيني للمخدرات الواردة إليهم من بريطانيا العظمى عبر شركة الهند الشرقية، و خضعت لشروط قاسية من أمريكا و بريطانيا مقابل تخفيف الكميات من الأفيون التى يتم تصديرها للصين من أوروبا .

و دولة مثل ألمانيا تم استهدافها بواسطة المخدرات من الدول المعادية فأصبحت من أكثر دول العالم إدماناً للمخدرات و من أقل دول العالم فى معدل النمو السكانى.

ومن المعلوم أن دولة مثل لبنان تعتبر من أكبر الدول المنتجة للأفيون فى العالم العربي، و ذلك بسبب إستهداف دولة الكيان لها فأقعدتها عن التطور و تركتها رهينة للنزاعات و الحروب الداخلية.

إذن فليعلم القارئ العزيز أن تعاطي المخدرات لا ينحصر ضررها على الفرد المتعاطي فقط.

لماذا تعتبر المخدرات خطيرة ؟

أضرار صحية إلى أسرته حيث تصاب الأسرة بالتفكك ثم إلى المجتمع الذي يقيم فيه بأسباب التعديات التى يقوم بها المدمن على المحيطين به و بسبب انسحابه الاجتماعي عن أي دور إيجابي تجاه المجتمع ، كما يتعدى الضرر المجتمع إلى الدولة و أمنها القومي حيث يشكل المدمن خطورة بالغة من حيث قابليته للدخول فى عالم العمالة و الارتزاق للعصابات و المنظمات ضد دولته كما سيكون عاجزاً عن تقديم أي دور إيجابي للدولة إذا سلم من شرور العمالة و الارتزاق .

الحروب وضع مثالي للإستهداف

قد يجد تاجر المخدرات صعوبة فى اختراق المجتمعات السليمة المعافاة في أوقات السلم ، و بالمقابل تشكل الحروب و النزاعات أرضاً خصبة لإنشاء سوق المخدرات لأسباب قد ترتبط بالشخص أو المجتمع أو الدولة، فالإنسان أوقات الحرب و النزاعات يكون أكثر قابلية للتعاطي بل و للإدمان لأسباب الآثار النفسية السالبة الناتجة عن الحرب، أو بسبب الحوجة الشديدة للمال لعدم توفر أعمال أخرى توفر له الدخل المطلوب لتسيير أعباء الحياة و تكاليفها. أما المجتمع فيصبح أكثر عرضة للإختراق أيضاً بسبب التفكك الذى يصيب المجتمع بسبب عدم الإستقرار و الهجرة، و بأسباب تتعلق بالرهق النفسي للمجتمعات و المشغوليات الأخرى المتعلقة بالبحث عن سبل الحياة الكريمة، والدولة تجد نفسها عند الحروب و النزاعات عاجزة عن الإلتفات للقضايا المجتمعية و تجدها تبذل كل مقدراتها و جهدها من أجل الانتصار على العدو ثم السعى لتوفير الأمن و توفير مستلزمات الحياة البسيطة للمواطنين.

بين هذا الإرهاق و مسؤوليات الأمن و الإطعام يتسلل تاجر المخدرات أو قد يطغى فيجاهر بجريمته دون خوف لإحساسه بعجز الدولة عن فرض سلطانها.

ماذا عن الأجهزة المختصة بمكافحة المخدرات ؟

الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، برئاسة الشرطة، هى الإدارة الأصيلة و المحورية فى مكافحة المخدرات و تساعدها فى ذلك اللجنة القومية لمكافحة المخدرات و المنظمات الوطنية و القوات النظامية الأخرى و المنظمات الاقليمية و الدولية ذات الاختصاص، وقع السودان على جميع المعاهدات و الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمخدرات فى 1961 ، 1971 ، 1988 ، و السودان عضو فاعل فى جميع المنظات الدولية و الإقليمية فى المنطقة العربية و الأفريقية، و ظل يشارك سنوياً فى المؤتمر الدولي السنوي في فيينا، و يعتبر من المؤسسين لهذه الاتفاقيات .

لكن من المؤكد أن الحرب الدائرة الآن أثرت على أداء هذه الإدارة و من يعاونها بأسباب تتعلق بالعجز الكبير فى الامكانيات المطلوبة من آليات و أسلحة و أجهزة متابعة و رصد وكشف، وقد تأثرت هذه كلها بعدوان المليشيا المباشر على كل مقار الادارة العامة و الادارات الولائية . مما يتطلب تدخلا” عاجلا” من الحكومة المركزية لتعويض الإدارة بما فقدته خلال فترة الحرب . كذلك تأثرت الرقابة المجتمعية التى كانت تساعد الادارة كثيراً فى عملها فى الأحياء بسبب هجرة المواطنين، و علينا أن نتذكر أن هناك عدداً ضخماً من المحكومين من تجار المخدرات كانوا في السجون الاتحادية و الولائية وقد تم إطلاق سراحهم بواسطة قوات المليشيا خلال العامين 2023 و 2024 و من المؤكد أن معظم هؤلاء عادوا لممارسة نشاطهم السابق.

الخروج من المأزق

لن يستطيع السودان الخروج من هذا المأزق دون مساعدة المنظمات الدولية و المنظمات الاقليمية و المحلية لتوفير الآليات المطلوبة و أجهزة الرصد و المتابعة و الكشف للمخدرات ، و حتى يحصل السودان على الدعم الدولي و الإقليمي يجب أن يعمل على أن تدرك و تستشعر هذه المنظمات خطورة ان يتحول السودان إلى دولة حاضنة لعصابات المخدرات خاصة أن السودان يتميز بموقع جغرافي في قلب أفريقيا و العالم العربي و موقع ممتاز على ساحل البحر الأحمر، و من الممكن أن يشكل ممراً مائياً مثالياً لتجارة المخدرات إلى أوروبا و آسيا إذا لم يتم تزويد الموانئ و المداخل و المخارج بالأجهزة اللازمة للرصد و الكشف عن المخدرات.

الدعم الدولي و الإقليمي حق و ليس منحة

إن حصول السودان على الدعم الدولي من المنظمة الأممية و من المنظمات الدولية الأخرى كاللجنة الدولية للمخدرات CND و الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات INCB ، و منظمة الصحة العالمية WHO ، و المنظمات الاقليمية كالمكتب العربى لشؤون المخدرات و مكتب الاتحاد الأفريقي للمخدرات ليس منحة و إنما حق تفرضه الظروف الأمنية القائمة ، و تفرضه مآلات ما يمكن أن تسير عليه الأمور فى المنطقة إن لم يتم تداركه و إحتواؤه.

على اللجنة القومية لمكافحة المخدرات، و هذا دورها، أن تطرق أبواب هذه المنظمات بشدة للحصول على الدعم المطلوب للإدارة العامة لمكافحة المخدرات حتى تتمكن من أداء دورها فى عمليات المكافحة .

الخطة الشاملة للمكافحة تقوم على الاتى :

1- إعادة تشكيل و تفعيل عمل اللجنة القومية لمكافحة المخدرات

2- دعم الادارة العامة لمكافحة المخدرات بالآليات و الأسلحة و القوة البشرية و الأجهزة المطلوب للمتابعة و الرصد و الكشف.

3- تسخير أجهزة الاعلام خاصة الإعلام الإلكتروني لتوعية الأسر و الشباب بمخاطر المخدرات

4- توجيه جهود المنظمات الوطنية للتوعية لخفض الطلب على المخدرات و هناك عدد كبير من المنظمات المهتمة بهذا الشان

5- مخاطبة المنظمات الدولية و الاقليمية للمشاركة فى عمليات المكافحة لخفض العرض و دعم خطة خفض الطلب التى تشرف عليها اللجنة القومية لمكافحة المخدرات .

الدعم السياسى مطلوب من أعلى سلطة تنفيذية

إن دعمكم السياسي – معالي رئيس الوزراء – لأجهزة مكافحة المخدرات ضروري لقيام هذه الأجهزة بعملها على الوجه الأكمل كما أن هذا الدعم السياسي سيقوم بتحريك القطاعات العامة و الخاصة ذات الصلة لأداء دور فعال فى مكافحة انتشار المخدرات فى السودان، لذا تكمن هنا أهمية تبني سيادتكم لمشروع مكافحة الإدمان فى السودان .

نسأل الله ان يمر علينا احتفال اليوم العالمى القادم 26 يونيو 2026 و السودان ينعم بالأمن و السلام حتى نعمل جميعاً من أجل سودان خالٍ من المخدرات .