كيف نجت رواندا من الإبادة؟ وماذا نتعلم نحن في السودان؟

بقلم: أواب عزام البوشي
لقد هلك مليون رواندي في مئة يوم، لكن نجا وطن بأكمله بعد ذلك. أما نحن، فنهلك كل يوم دون نهاية،
حين نُقارن ما حدث في رواندا عام 1994، وما يحدث في السودان اليوم، لا نسعى للترف الفكري، بل نحاول أن نفهم:
هل هناك أمل بعد المجازر؟ وهل من طريق للنجاة من الكابوس السوداني؟
رواندا : من جحيم الإبادة إلى دولة ناجحة
في مئة يوم فقط، قُتل أكثر من 800 ألف رواندي في واحدة من أبشع المجازر التي شهدها القرن العشرون.
كانت مذابح على أساس عرقي بين قبيلتي “الهوتو” و”التوتسي”، في مشهد من الانهيار الكامل للمجتمع والدولة والضمير الإنساني.
لكن المدهش أن رواندا، التي سقطت في حفرة الدم، نهضت لتصبح واحدة من أكثر دول إفريقيا استقرارًا ونموًا.
ما الذي فعلته رواندا؟
- العدالة أولًا
أنشأت رواندا محاكم “غاتشاكا” التقليدية، حيث شارك المواطنون في محاسبة المتورطين في جرائم الإبادة، دون الاعتماد فقط على المحاكم الدولية.
” العدالة لم تكن انتقامًا، بل وسيلة للمصالحة “ - قيادة ترفض الثأر
الرئيس بول كاغامي رفض خيار الانتقام، رغم كونه قائدًا منتصرًا عسكريًا.
قال جملته الشهيرة:
” نحن نغفز، لا لأنهم يستحقون الغفران، بل لأننا نستحق السلام “ - مكافحة جذرية للفساد
رواندا أصبحت من أنظف دول إفريقيا في مؤشرات الشفافية.
تم تفكيك شبكة الفساد، وتأسيس دولة مؤسسات حقيقية وفعالة. - إعادة تشكيل الهوية
ألغت رواندا رسميًا استخدام الهويات القبلية في الخطاب العام والإعلام والمناهج التعليمية.
أصبح الطفل يُربى على أنه “رواندي”، لا “هوتو” ولا “توتسي”. - الاستثمار في المستقبل
اليوم، رواندا تحقق نموًا اقتصاديًا يصل إلى 6-7% سنويًا.
عاصمتها كيغالي تُعتبر من أنظف مدن القارة، وتحولت البلاد إلى مركز استثمار وسياحة.
السودان: في قلب الإبادة الصامتة
نحن في السودان لا نعيش مذبحة واحدة، بل سلسلة إبادة مستمرة وبطيئة.
الفاشر، الخرطوم، نيالا، مدني، الأبيض… مدن تُسحق تحت آلة الحرب، فيما يتشظى المجتمع، وتتلاشى الدولة.
لكن لا شيء قُدر له أن يستمر… إذا وُجد العقل، والإرادة.
ماذا نتعلم من رواندا؟
أولًا : لا سلام بلا عدالة
لن تكون هناك مصالحة حقيقية دون محاسبة القتلة، أيًا كانت رتبهم أو انتماءاتهم.
ثانيًا: الدولة أهم من القبيلة
التغيير الحقيقي يبدأ حين نكف عن تمجيد الجهوية، ونؤسس لهوية وطنية تتسع للجميع.
ثالثًا: الاعتراف بالفشل ليس هزيمة
رواندا بدأت من الصفر بعد أن قالت “نعم لقد فشلنا”.
نحن نحتاج إلى نفس الشجاعة.
رابعًا: الإعلام والتعليم هما سلاح الوعي
إذا أردنا أن نوقف إعادة إنتاج الكارثة، فلا بد من تغيير مناهج التعليم وخطاب الإعلام.
خامسًا: جيل الشباب هو الأمل
رواندا سلّمت مفاتيح النهضة لجيل لم يشارك في الإبادة.
أما نحن، فما زلنا نُدار بنفس العقول التي شاركت في تدمير السودان.
بين كيغالي و الفاشر : ماذا ننتظر؟
في كيغالي، انتصر الوعي على الدم. و الفاشر ، ما زال الدم يسيل، والناس تنام تحت الأشجار، وتنتظر الخلاص من السماء.
لم تكن رواندا أكثر حظًا منّا، بل أكثر تصميمًا على أن لا تعيش في قاع الندم إلى الأبد.
في كل شبر من السودان، هناك وجع…
لكن أيضًا هناك درس: إن تأخرنا في التعلم، سندفع الثمن أكثر مما دفعته رواندا.
هل نملك شجاعة النجاة؟
نحن لا نحتاج فقط إلى وقف إطلاق النار، بل إلى مشروع وطني أخلاقي شامل.
رواندا نجت لأنها امتلكت إرادة المواجهة، لا الهروب، واختارت أن تصنع من المجزرة بداية جديدة.
أما نحن، فالسؤال ما زال معلقًا:
هل نملك الشجاعة لنفعل الشيء ذاته؟
أم نستمر في صناعة موتنا بأيدينا؟
أواب عزام البوشي
التاريخ: 20 يوليو 2025
البريد الإلكتروني: Awabazzam456@gmail.com