بالورود وعبارات الوداع.. مصر تحتضن أشقاءها السودانيين

بقلم – حسام الدين كرنديس
في مشهد إنساني يختصر قرونا من الروابط التاريخية والجغرافية بين وادي النيل، ودع المصريون أشقاءهم السودانيين بالورود والابتسامات، فيما رفع السودانيون لوحة كتب عليها بخط عريض: (شكرا مصر)، تعبيرا عن إمتنانهم العميق للمواقف النبيلة التي جسدها الشعب المصري وحكومته في واحدة من أصعب فترات التاريخ السوداني الحديث.
منذ اندلاع الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع المتمردة المدعومة خارجيا، وما تبعها من تدخلات و وجود مرتزقة من عدة دول أفريقية وآسيوية، كانت مصر هي الملاذ الأقرب والأكثر أمانا لمئات الآلاف من السودانيين الفارين من جحيم المعارك.
حدود مفتوحة بلا قيود
فتحت القاهرة أبوابها أمام موجات النزوح، دون اشتراطات إقامة معقدة أو عراقيل بيروقراطية، فوجد السودانيون في أرض الكنانة مأوى آمنا، وفسحة من الحياة بعيدا عن أصوات المدافع وعلى مدار أشهر طويلة، عاش آلاف السودانيين في مصر دون أن يطلب منهم مغادرتها أو دفع رسوم إقامة باهظة، وهو موقف نادر في عالم تتزايد فيه القيود على اللاجئين.
اندماج ثقافي واجتماعي فريد
لم تقتصر المساندة على الجانب الرسمي فقط، بل امتدت إلى مواقف إنسانية يومية صنعت الفارق. ففي شوارع القاهرة والإسكندرية وأسوان و اغلب مدن و ريف مصر، أصبح من الطبيعي أن تسمع سودانيا يتحدث باللهجة المصرية بطلاقة، أو مصريا ينادي صديقه السوداني بـ(يا زول). وتداخلت الأطباق والأغاني والعادات، حتى بدا المشهد وكأنه عودة طبيعية لزمن وحدة وادي النيل.
كلمات الترحيب كانت حاضرة في كل موقف
(منورين مصر)، (بلدكم)، (نحن إخوة)، وهي عبارات كانت كفيلة بأن تخفف وطأة الغربة وتعيد للأرواح المرهقة شيئا من الدفء.
فرص عمل وعلاج بلا تفرقة
فتحت مؤسسات مصرية أبوابها أمام الكفاءات السودانية، فعملوا في التجارة والمطاعم والورش وحتى في مجالات الطب والتعليم. كما أتيح لهم العلاج في المستشفيات الحكومية والخاصة على حد سواء، دون أن تغلق الأبواب بسبب جواز سفر أو إقامة.
شراكة في الحياة اليومية
الأسواق المصرية باتت تضم محلات يديرها سودانيون، يقصدها مصريون وسودانيون معا. في المقاهي، يتبادلون الضحك على مواقف مشتركة. وفي الأفراح والعزاء، تجد الحضور من كلا الشعبين، وكأن الحرب أعادت صياغة روابط الجيرة بألوان أكثر حميمية.
التحديات لا تلغي المروءة
لا ينكر السودانيون وجود بعض السلبيات التي يواجهها أي مجتمع في استقبال موجات نزوح، كحالات احتيال فردية أو محاولات بث الفتنة على وسائل التواصل، لكنها تبقى محدودة ولا تمثل عمق الموقف الشعبي المصري . أما على المستوى الرسمي، فبعض الإجراءات الأمنية تأتي في سياق الحفاظ على الأمن القومي المصري، وهو أمر مفهوم في ظل الظروف الإقليمية المعقدة.
(شكرا مصر).. رسالة أبدية
حين رفع السودانيون لوحة الشكر في وداعهم، لم تكن مجرد كلمات مكتوبة، بل شهادة تاريخية على أن الأخوة لا تقاس بالحدود، وأن الأزمات تكشف معادن الشعوب . مصر التي وقفت في زمن الشدة، حجزت مكانها في ذاكرة السودانيين جيلا بعد جيل كبلد جار لم يخذل جاره، بل فتح له بيته وقلبه.