تحقيق أمريكي خطير يكشف تورط الإمارات في تزويد مليشيا “الدعم السريع” بصواريخ وطائرات

قالت صحيفة واشنطن بوست إنها أجرت تحقيقًا استقصائيًا شاملًا في السودان، كشفت خلاله تورط الإمارات في تزويد “مليشيات الدعم السريع” بأسلحة متطورة، بما في ذلك صواريخ أرض–جو وطائرات مسيّرة قاتلة، ما يزيد تعقيد الصراع ويهدد الأمن المدني والإقليمي.
وأوضح التحقيق أن هذه الأسلحة غير مسبوقة في تاريخ النزاع، وقد حولت الحرب السودانية إلى صراع مسلح أكثر دموية وتعقيدًا.
سباق تسلح في سماء السودان
يقول التحقيق أنه في مخزن سلاح مهجور على أطراف الخرطوم هذا الربيع، عثر جنود الجيش السوداني على عشرات الصواريخ الحديثة المضادة للطائرات، من النوع المعروف باسم مانبادز (MANPADS)، وهي صواريخ أرض–جو محمولة على الكتف. هذه الصواريخ – القادرة على إسقاط طائرات مدنية بكل سهولة – كانت مجرد واحدة من شحنات متزايدة من الأسلحة المتطورة التي تتدفق إلى السودان، بينما تتحول الحرب الأهلية هناك إلى واحدة من أخطر النزاعات في العالم.
ويقول مسؤولون وخبراء غربيون إن تدفق هذه الأسلحة – بما في ذلك الطائرات المسيّرة الانتحارية، وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة على شاحنات، وحتى الطائرات التركية بدون طيار التي تم إسقاطها حديثًا – يكشف عن اتساع نطاق الصراع وازدياد تعقيده، ويمثل تهديدًا متزايدًا للأمن الدولي.
معركة للسيطرة على الأجواء
وتضيف: اندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 عندما انقلب قائد الجيش ورئيس قوات الدعم السريع – اللذان كانا قد تعاونا في الإطاحة بحكومة مدنية هشة – ضد بعضهما البعض. وقد خلّفت الحرب أسوأ أزمة إنسانية في العالم: نصف السكان بحاجة إلى مساعدات غذائية، والمجاعة والكوليرا تنتشران، وأكثر من 12 مليون شخص نزحوا عن منازلهم، بحسب الأمم المتحدة.
في مايو 2024، قدّر المبعوث الأمريكي إلى السودان عدد القتلى بحوالي 150 ألفًا. ومنذ ذلك الحين، لم تُصدر أي تقديرات موثوقة رغم استمرار القتال لأكثر من 16 شهرًا، بينما أصبح الوصول إلى البلاد أكثر صعوبة.
وزارة الخارجية الأمريكية اتهمت الجيش وقوات الدعم السريع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. فقد تم اغتصاب الأطفال، واستعبادهم وإجبارهم على القتال، فيما دُمِّرت المستشفيات بالكامل، وتعرض متطوعون مجتمعيون للتعذيب والقتل. أكثر من 250 ألف شخص يواجهون خطر المجاعة والقصف المستمر في مدينة الفاشر المحاصرة.
تميز القتال بتطور سريع في نوعية الأسلحة على كلا الجانبين. ففي السنة الأولى من الحرب، ورغم هجمات قوات الدعم السريع على الطائرات الحكومية، احتفظ الجيش بالتفوق الجوي.
وقد قصف بشكل متكرر أحياء وأسواقًا في مناطق خاضعة لسيطرة الدعم السريع، ولا يزال يفعل ذلك، ما أسفر عن مقتل مقاتلين ومدنيين على حد سواء.
وبعد أشهر قليلة، بدأت قوات الدعم السريع في استخدام طائرات مسيّرة انتحارية ورباعية المراوح (كوادكوبتر) تحمل قذائف هاون يُعتقد أنها كانت قد بيعت أصلاً للإمارات.
ففي أوائل 2024، عرض الجيش السوداني على مراسلي واشنطن بوست طائرة مسيّرة وأسلحة تم الاستيلاء عليها في الخرطوم، وقد وُجدت على صناديق القذائف ملصقات تشير إلى شرائها من قيادة الخدمات اللوجستية المشتركة للقوات المسلحة الإماراتية.
وعندما عاد الصحفيون إلى الخرطوم في مايو، شاهدوا المزيد من نفس القذائف في مخازن حديثة تركتها قوات الدعم السريع وراءها، لكن هذه المرة كانت الملصقات مطلية باللون الأسود لإخفائها.
كما صادرت القوات السودانية في نوفمبر شحنة من قذائف هاون عيار 81 ملم من قافلة للدعم السريع. وتبين لاحقًا أنها صُنعت في بلغاريا التي أخبرت محققي الأمم المتحدة أنها صدّرتها إلى الإمارات، وفقًا لوكالة رويترز.
وفي عام 2024، بنت الإمارات مدرجًا جويًا في تشاد المجاورة لاستخدام قوات الدعم السريع في إطلاق الطائرات المسيّرة، بينما ادعت أنه “مركز إنساني”، بحسب نيويورك تايمز.
الإمارات تستثمر بكثافة في مناجم الذهب والأراضي الزراعية بالسودان، ولديها علاقات طويلة مع قائد قوات الدعم السريع الذي أرسل آلاف المقاتلين السودانيين كمرتزقة للقتال في حرب اليمن. وفي الوقت نفسه، تتحفظ السلطات الإماراتية من القادة العسكريين السودانيين الإسلاميين المرتبطين تقليديًا بجماعة الإخوان المسلمين، التي تصنّفها الإمارات كمنظمة إرهابية.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان لـ واشنطن بوست: “نرفض رفضًا قاطعًا أي ادعاءات بتقديم أي شكل من أشكال الدعم لأي من طرفي النزاع.”..
ومع تصاعد الحرب الجوية في السودان العام الماضي، اشترى الجيش السوداني طائرات مسيّرة متطورة مباشرة من شركة بايكار التركية – أكبر شركة دفاعية في تركيا – كترقية لأسطوله من الطائرات الإيرانية المسلحة.
وقد لعبت هذه الطائرات دورًا حاسمًا في الهجوم العسكري لاستعادة العاصمة، الذي بلغ ذروته في مارس الماضي.
لكن يبدو أن قوات الدعم السريع وجدت وسيلة للتصدي لها. ففي الشهرين الماضيين فقط، أسقطت الجماعة ما لا يقل عن ثلاث طائرات تركية للجيش، بحسب مقاطع فيديو نشرها مقاتلو الدعم السريع على الإنترنت وحللها خبراء لصالح واشنطن بوست.
وفي أحد المقاطع، بدت الحمولة وجناح الطائرة المطاح بها مطابقة لطراز أقنجي (Akinci) – وهو الأكثر تطورًا لدى بايكار. وفي مقطع آخر، ظهر محرك مزدوج يشبه تمامًا تلك التي تزوّد طائرات أقنجي.
وقال مسؤول أمني إقليمي سابق مطلع على الوضع – وطلب عدم الكشف عن هويته – إن أياً من الطائرات التي أُسقطت لم تكن من النوع “المتمركز في الجو” (loitering drones) الذي يسهل استهدافه، بل إن اثنتين منها كانتا تحلّقان على ارتفاع يتجاوز 20 ألف قدم.
وأضاف: “المهارة التقنية التي نراها تفوق قدرات الدعم السريع المعتادة… وجميع هذه الأنظمة متنقلة.”
وقال مسؤول أمريكي سابق خدم في المنطقة: “قد تُسقط طائرة واحدة بضربة حظ باستخدام صاروخ محمول على الكتف، لكن إسقاط أكثر من واحدة يعني وجود دفاعات جوية أكثر تقدمًا.”
وذكر مسؤول أمني سوداني لـ واشنطن بوست أن قوات الدعم السريع استخدمت نظام الدفاع الجوي الصيني FK-2000 المثبّت على شاحنات لإسقاط الطائرات التركية.
كما أظهر مقطع فيديو على تيك توك نشره مقاتل من الدعم السريع بعد عملية إسقاط في 14 سبتمبر صاروخًا معززًا يشبه تمامًا تلك المستخدمة في منظومة FK-2000، وفقًا لجيريمي باني، الخبير في شؤون الدفاع بالشرق الأوسط لدى مؤسسة Janes الاستخباراتية.
ورغم عدم وجود أي سجل لبيع هذا النظام إلى السودان، فإن خدمة أفريكا إنتليجنس الإخبارية الفرنسية ذكرت في أبريل أن الإمارات تبرعت بمنظومتين من هذا الطراز إلى تشاد العام الماضي. ولم يرد المتحدث باسم الحكومة التشادية ولا وزارة الخارجية الإماراتية على أسئلة الصحيفة بشأن المنظومة.
«مبعث قلق بالغ»
كان السودان غارقًا بالفعل بالأسلحة المضادة للطائرات الأقل تطورًا لكنها ما تزال خطيرة. ففي مايو الماضي، شاهدت واشنطن بوست في أحد مخازن قوات الدعم السريع التي استولى عليها الجيش بعد استعادة الخرطوم، صواريخ أرض–جو محمولة على الكتف، تُعرف باسم مانبادز (MANPADS)، بينها طراز SA-7
كانت هذه الصواريخ جديدة لدرجة أنها ما تزال ملفوفة بالورق، رغم أن الصناديق لم تحمل أي علامات تدل على بلد المنشأ. ومنذ عام 1975، استُخدمت صواريخ مانبادز لإسقاط 40 طائرة مدنية، ما تسبب في مقتل أكثر من 800 شخص حول العالم، وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية.
وفي تقرير أعدته شركة كونفليكت آرممنت ريسيرش (CAR) لصالح جهاز الاستخبارات السوداني، وثّق الخبراء 19 صاروخًا أرض–جو استعادها الجيش من قوات الدعم السريع، صُنعت في الصين وبلغاريا.
وقال التقرير: «انتشار صواريخ مانبادز يشكل مصدر قلق بالغ للمجتمع الدولي».
ورفضت الشركة التعليق لغايات هذا التحقيق.
أما جهاز الاستخبارات السوداني فامتنع عن التعليق أيضًا، غير أن مستشارًا يعمل مع مدير الجهاز قال لـ واشنطن بوست: “تم اتخاذ كل الإجراءات اللازمة بسرعة لتأمين أي أسلحة فتاكة متروكة يمكن استخدامها ضد الطائرات… أو لتهديد الأمن الدولي وحياة المدنيين.”
كما احتوت المخازن التي صودرت من قوات الدعم السريع على ست طائرات مسيّرة انتحارية (ذات اتجاه واحد) صُنعت أواخر عام 2023 و2024، وقال التقرير إنها “تشبه إلى حد كبير في بنائها تلك التي ينتجها ويجمعها الحوثيون”.
وأوضح الخبراء أن هذه الطائرات قد تكون نُقلت بحرًا عبر البحر الأحمر، أو حصلت عليها قوات الدعم السريع من خلال شبكات علاقاتها التي بنتها أثناء قتالها في اليمن.
لأكثر من عامين، أطلق الحوثيون ضربات على إسرائيل وعلى ممرات الشحن في البحر الأحمر، بذريعة دعم الفلسطينيين في غزة. ويحظى الحوثيون بدعم إيران، التي تدعم أيضًا الجيش السوداني.
وقال جاستن لينش من كونفليكت إنسايتس: “حقيقة أن جماعات غير دولية تستطيع استخدام طائرات مسلحة لتنفيذ هجمات على بعد آلاف الكيلومترات من جبهات القتال، تُظهر مدى صعوبة احتواء الصراعات في العقود المقبلة.”
وأضاف السيناتور الأمريكي كريس فان هولن (ديمقراطي – ماريلاند) لـ واشنطن بوست: “لا يقوم المجتمع الدولي ولا الولايات المتحدة بما يكفي للحد من تدفق الأسلحة الأجنبية والدعم إلى السودان… يجب على الولايات المتحدة والأمم المتحدة والجهات الرقابية الدولية الأخرى أن تولي اهتمامًا أكبر لهذه المسألة.”.