آخر الأخبار

الرباعية و الوصاية.. مشروع لتجميد المعركة و إنقاذ المليشيا 

 

بقلم – حسام الدين كرنديس

 

ما يعرف بـ خريطة طريق الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والامارات، تطرح هذه الايام كحل لإنهاء الحرب في السودان، لكنها في الحقيقة لا تمثل سوى محاولة لتجميد مسار المعركة قبل أن تحسم عسكريا لصالح الجيش السوداني الوطني. الخطة في جوهرها تضع الجيش الشرعي على قدم المساواة مع مليشيا ارتكبت جرائم ابادة ودمار واسع في المدن السودانية، وهذا المبدأ وحده كاف لنسف مصداقية اي مبادرة تقدم باسم السلام.

 

من الواضح ان مشاركة الامارات في هذه الالية تشكل احد ابرز اوجه الخلل، لانها متهمة بدعم المليشيا ماليا ولوجستيا منذ اندلاع الحرب. لذلك فإن اي مسعى حقيقي للسلام يجب ان يعيد تشكيل الرباعية الى ثلاثية تستثني ابوظبي حتى تثبت حيادها او تتوقف عن التدخل في الشأن السوداني. لا يمكن لدولة متهمة بتأجيج الصراع أن تكون طرفا في حله، لان ذلك يجعل من الحل نفسه امتدادا للوصاية.

 

مصالح الرباعية وخطر تدوير الازمة

 

ما يعرض ظاهريا كمسعى للسلام يخدم في الواقع مصالح اقليمية ودولية لا علاقة لها باستقرار السودان. واشنطن تدير الملف تحت شعار منع تمدد الصراع، لكنها في الحقيقة تسعى الى ابقاء السودان ضمن نطاق نفوذها وعدم تركه يتجه شرقا نحو روسيا او الصين او ايران. القاهرة والرياض تفضلان استقرارا مشروطا يضمن مصالحهما السياسية والاقتصادية، القاهرة مغلوب على امرها من متخذي القرار، بينما تعمل ابوظبي على حماية استثماراتها وحلفائها داخل المليشيا.

 

التحرك الرباعي جاء في توقيت حساس، تزامن مع تقدم الجيش ميدانيا وتحقيقه مكاسب واضحة في مناطق غرب البلاد. هذا التوقيت يثير تساؤلات مشروعة: هل الهدف فعلا ايقاف الحرب ام إنقاذ المليشيا من الانهيار الكامل؟ فمنذ أن كسر الجيش منظومات الدفاع التي كانت تصل الى المليشيا وفتح سماء دارفور، بدأ ميزان القوة يميل لصالحه، وهو ما دفع بعض القوى الدولية إلى التحرك لإيقاف الحسم العسكري قبل أن يتحقق.

 

الهدنة وسيلة لإعادة التموضع

 

الحديث عن الهدنة الانسانية يتكرر كثيرا في الخطاب الدولي، لكنه في الواقع اداة لتمكين المليشيا من اعادة التموضع والحصول على السلاح والتموين من جديد. فقد أثبتت تجارب الهدن السابقة في جولات جدة أن كل وقف لإطلاق النار كان يصب في مصلحة المليشيا، اذ تستغل الهدنة لنقل الامدادات وتثبيت مواقعها. لذلك فان اي هدنة جديدة بلا رقابة ميدانية صارمة وقطع كامل لخطوط التموين لن تكون سوى استراحة للمجرمين كما وصفها بعض المراقبين.

 

لا دمج بعد الجرائم

 

واحدة من أكبر الأخطاء التي يروج لها دوليا هي فكرة دمج المليشيا في الجيش بعد انتهاء الحرب. هذا الطرح غير واقعي وغير أخلاقي بعد كل الجرائم التي ارتكبتها تلك القوات في حق المدنيين من قتل وحرق ونهب واغتصاب وتشريد جماعي. دمج من تلطخت ايديهم بدماء الابرياء في مؤسسات الدولة يمثل إهانة للشعب ولضحايا الحرب. العدالة لا تتحقق بالدمج، بل بالمحاسبة والمحاكمات العادلة، و بإعادة بناء مؤسسة عسكرية موحدة خالصة الانتماء للوطن.

 

لا هدنة ولا وصاية

 

السلام لا يمكن أن يفرض من واشنطن او ابوظبي او غيرهما، لان الحل الحقيقي لا يأتي من الخارج بل من داخل السودان. لا هدنة بلا نزع سلاح، ولا مفاوضات تساوي بين جيش دولة ومجموعة مرتزقة، ولا تسوية تعيد انتاج الازمة في ثوب جديد. المطلوب حسم ميداني وسياسي يقضي على المليشيا نهائيا، ويغلق الباب امام اي محاولات لإعادتها الى المشهد عبر بوابة التسويات الدولية.

 

خريطة طريق بديلة

 

الحل الوطني يجب أن يقوم على مجموعة من المبادئ الثابتة التي تحمي السودان من الوصاية الخارجية وتحافظ على وحدته وسيادته:

*. استبعاد الدول المتورطة في دعم المليشيا

لا يمكن لأي مبادرة تشمل الامارات او اي طرف متهم بتمويل وتسليح المليشيا ان تكون محايدة. الحل يجب ان يبنى على أساس ثلاثي يضم دولا غير متورطة، او يدار من داخل السودان بمشاركة مراقبين دوليين محايدين فقط.

 

*. رفض الهدنة بلا ضمانات حقيقية

أي هدنة يجب ان تترافق مع الية تحقق ميدانية فورية تشمل تفتيش المعابر الجوية والبرية ومراقبة نقل الوقود والسلاح. هدنة بلا هذه الضمانات تعني ببساطة تمديد عمر الحرب.

 

*. لا دمج بعد الجرائم

الدمج ليس حلا بل مكافأة على الإجرام. المطلوب محاكمات واضحة، وإبعاد كل من تورط في القتال ضد المدنيين، واعادة تأهيل من لم تثبت عليه تهم في برامج مدنية تحت إشراف الدولة.

 

*. مشاركة كفاءات وطنية لا أحزاب

يجب أن تدار المرحلة القادمة عبر شخصيات وكفاءات مدنية مستقلة بعيدة عن الأحزاب التي تورط بعضها في دعم المليشيا او ساهم في تأجيج الصراع. الاحزاب السودانية للاسف فشلت في تقديم مشروع وطني جامع، وطغت عليها المصالح الضيقة والانتماءات الطائفية. السودان يحتاج الآن الى عقول وطنية نزيهة تمثل الشعب لا التنظيمات.

 

*. العدالة أساس السلام

لا معنى لاي تسوية لا تضمن العدالة للضحايا. السلام الحقيقي لا يبنى على التسويات الشكلية بل على محاسبة من امر ومن نفذ الجرائم، وعلى بناء مؤسسات عدلية قوية ومستقلة تحمي حقوق المواطنين.

 

*. إعادة بناء الدولة على اسس وطنية

يجب ان تكون الاولوية بعد الحرب هي اعادة بناء الدولة من جديد: جيش موحد بلا مليشيات، اقتصاد وطني مستقل، ادارة مدنية فاعلة، وسيادة كاملة على القرار الوطني دون تدخل او وصاية.

 

آخر الكلام

 

إن ما يسمى خريطة طريق الرباعية ليس طريقا للسلام بل محاولة لاعادة تدوير الحرب في ثوب جديد. الهدف الحقيقي هو إنقاذ المليشيا من الانهيار وابقاؤها كأداة ضغط داخل السودان. لكن الشعب السوداني اثبت مرارا انه لا يقبل الوصاية ولا يقبل المساومة على جيشه ووطنه. الحل ليس في مؤتمرات الخارج بل في ارادة الداخل. السودان يحتاج الى سلام حقيقي يبنى على الانتصار على المليشيا لا على مساومتها، وعلى عدالة تحمي الدماء التي سالت لا على صفقات تحفظ مصالح الخارج. فالسيادة لا تمنح بل تنتزع، والكرامة لا تصان إلا بدولة موحدة قوية تقف على أكتاف جيشها وشعبها.