من أسرّة المرضى إلى ركام المسجد: القصة المأساوية لطبيب الفاشر الذي عالج الكولومبيين

وكالات
قالت صحيفة نيويورك تايمز، إن مراسلها ديكلان والش، تواصل مع أحد الأطباء المحاصرين داخل مدينة الفاشر وكشفت عن معاناة الأطباء في محاولة البقاء على قيد الحياة لمساعدة الآخرين، وعن أوضاع السكان وظروف معيشتهم.
ووصفت الصحيفة شهادة د. عمر سليك، التي نقلها من داخل المدينة المحاصرة، بالمؤثرة للغاية، حيث لقي الرجل حتفه في وقت لاحق بعد تلك المقابلة التي كشف فيها انه رأى وعالج مجموعة من الكولومبيين داخل المستشفى.
وذكرت الصحيفة أنه عندما لم يتمكن ديكلان والش من الوصول إلى مدينة الفاشر المحاصرة، تواصل مع السكان عبر الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، ونقل تقاريره من نيروبي، كينيا، وكان الدكتور عمر سليك أحد الذين تحدثوا وقال انه كان يرغب في أن يراه العالم.
وفي المقابلة التي استغرقت ساعة كاملة، تحدث سليك عن الحياة في الفاشر المحاصرة، وطلب في نهايتها من مراسل الصحيفة تشغيل الكاميرا عندها تفاجأ المراسل بوجه متعب وشاحب، ثم أفتر الوجه عن ابتسامة واسعة.
قال سليك: “هذا يوم جيد بالنسبة لي، أشعر أنني عدت إلى طبيعتي انسانا”.
كانت هذه اللحظة البسيطة بمثابة استراحة مؤقتة له بعد 500 يوم من حصار مرعب. كان الدكتور سليك، البالغ من العمر 43 عاماً، أحد آخر العاملين في المجال الصحي في الفاشر، المدينة التي تضم ربع مليون نسمة في شمال دارفور، حيث كان الموت يلاحقهم من فوقهم والفقر والجوع رفيقهم الدائم من أسفل منهم.
قبيل لحظات أجهش الدكتور سليك بالبكاء وهو يصف كيف ماتت امرأة حامل تحت إشرافه لعدم توفر الأدوية الأساسية. ثم أشار إلى طبق طعامه، وهو مزيج بني اللون يشبه طعام الحيوانات. أوضح أن هذا أصبح المصدر الرئيسي للطعام لمعظم سكان الفاشر، وهو دليل على مدى إنسانية الأطباء والسكان الذين يحاولون إنقاذهم.
لهذا السبب شعر بالراحة للتحدث مع شخص من خارج المدينة، قائلاً: “اناس يموتون، هنا ولا أحد يهتم بهم”.
رحيل المنقذ
بعد أيام، خرج الدكتور سليك من منزله للصلاة في المسجد القريب. أصاب صاروخ السقف، وانفجر بين المصلين، مما أسفر عن مقتل حوالي 75 شخصًا، وكان الدكتور سليك بينهم.
كان هذا أحدث مثال على هذا المزيج المدمر من التكنولوجيا والوحشية وعدم المساءلة، الذي أصبح سمة مميزة للحرب التي قتلت ما يصل إلى 400 ألف شخص، بحسب تقديرات بعض الخبراء.
قال شهود عيان إن الصاروخ أُطلق من طائرة بدون طيار، إحدى الطائرات التي زودت بها الإمارات العربية المتحدة قوات الدعم السريع، وهي الجماعة شبه العسكرية التي تحاصر الفاشر الا ان الإمارات تنفي دعم أي من طرفي النزاع.
بالنسبة لسكان المدينة المحاصرة، كانت هذه خسارة كارثية أخرى.
قالت سلوى أحمد، محاضرة في الجامعة والتي لجأت إلى منزل الدكتور سليك: ” انفطر قلبي لفقده “. وهي كغيرها من السكان المدنيين الاخرين، قالت سلوى إنها تشعر بأن العالم تخلى عنها، وتشككت في وصول أي مساعدات
بارقة أمل
لكن وفقا للصحيفة هناك بصيص أمل يلوح في الأفق، بقيادة مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون أفريقيا، مسعد بولس. فعلى مدى أسابيع، كان بولس يتفاوض مع قوات الدعم السريع المتمردة للسماح بوصول المساعدات الدولية إلى الفاشر، وقال الأسبوع الماضي لصحيفة فايننشال تايمز إن قافلة المساعدات قد تصل “قريبًا جدًا”.
وقال مسؤول أمريكي كبير، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث للصحافة، إن القافلة ستضم حوالي 45 شاحنة تابعة للأمم المتحدة، ويمكن أن تغادر في أقرب وقت يوم الاثنين المقبل.
لكن التفاصيل لا تزال قيد الدراسة، بما في ذلك كيفية توزيع المساعدات عند وصولها إلى المدينة.
وقال المسؤول الأمريكي إنه من غير الواضح ما إذا كانت قوات الدعم السريع ستسمح بوصول المساعدات إلى الأحياء التي يسيطر عليها الجيش السوداني، وهي المناطق التي تتحمل أعباء الحصار.
وامتنعت وزارة الخارجية الأمريكية عن التعليق على هذه المفاوضات، وأشارت إلى تصريحات بولس السابقة حول جهوده في السودان.
وبدأ الحصار في أبريل 2024 عندما حاولت الدعم السريع، التي ينحدر مقاتلوها في الغالب من دارفور، طرد الجيش السوداني من المنطقة الشاسعة.
وازداد الحصار حدة في مارس بعد طرد الدعم السريع من الخرطوم، عاصمة السودان. بينما فرّ آخرون، بقي الدكتور سيلك في الفاشر.
ونقلت الصحيفة عن د. عمر الطاهر، وهو طبيب آخر يعيش في أيرلندا، تحدث إل الطبيب المحاصر في يوليو انه قال: لا يمكنني ترك هؤلاء الناس”.
عمل الدكتور سليك في آخر مستشفى كان يعمل في المدينة، والذي تعرض للقصف ثلاثين مرة، حيث تلقى تدريبًا سريعًا في مجال الإسعاف الميداني.
قال لي: “إصابات الرأس، إصابات الصدر، إصابات البطن”، مُعددًا أنواع الإصابات الشائعة التي كان يعالجها. سواء كان الجرح ناتجًا عن رصاصة أو قنبلة
في هذا الصيف، اشتد الوضع سوءًا بعد أن بنى مقاتلو الدعم السريع جدارًا ترابيًا مرتفعًا حول مدينة الفاشر، يبلغ طوله الآن 42 ميلاً. وكان المقاتلون يطلقون النار على أي شخص يحاول عبوره ليلاً.
في المستشفى، نفد الطعام والأدوية. استخدم الجراحون شباك الناموسيات كضمادات طبية لإجراء العمليات. انتشرت أمراض الكوليرا والملاريا في المستشفى.
في إحدى الأيام، في العيادة الصغيرة التي كان يديرها في شمال المدينة، التقى الدكتور سليك بمجموعة من مرتزقة كولومبيين كانوا يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع.
قال: “كانوا يتحدثون الإسبانية”. وأضاف أنه لاحقًا، تم نقل جثث الكولومبيين الذين قُتلوا في المعركة إلى المستشفى.
أرسل الدكتور سليك زوجته وأبناءه إلى الخرطوم لسلامتهم. لكن أخته بقيت في المدينة، ثم قُتلت مع أبنائها الثلاثة في أغسطس عندما سقطت قذيفة في منزلهم.
قال لي: “هذه قصة واحدة فقط، فهناك الكثير من القصص المشابهة في هذه المدينة”.
أصبح جهاز ستارلينك، الذي قدمه أحد أقاربه، وسيلة الاتصال الوحيدة مع العالم الخارجي. لكن حتى هناك، لم ينجُ من آثار الصراع.
في مجموعات واتساب لأطباء سودانيين، فوجئ الدكتور سليك بالنزاعات الحادة التي اندلعت على أساس سياسي أو عرقي، كما قال الدكتور عُمر الطاهر.
قال: “كان الناس يتنابذون بالألفاظ السيئة”. وأضاف: “طلب عمر منهم التوقف.
وأوضح الدكتور سيلك لي أن ما كان يثير قلقه الشديد هو احتمال سيطرة الدعم السريع على المدينة بالكامل. وقال: “سوف يقتلون جميع السكان”.