إعادة الإعمار تبدأ بإعمار بيوت الله
أخبار سودان إكسبريس
بقلم – حسام الدين كرنديس
huasmhaska88@gmail.com
تمثل المساجد في السودان رمزا دينيا ومجتمعيا مهما، لكنها تعاني منذ سنوات طويلة من تدهور واضح في خدماتها الأساسية وبيئتها العامة. فالكثير من المساجد تفتقر إلى المياه والكهرباء والنظافة اللازمة، بينما تبدو بيئتها الداخلية والخارجية طاردة وغير مهيأة لأداء الشعائر بصورة كريمة.
قبل الحرب، كانت مشكلات المساجد واضحة في ضعف الصيانة وغياب الاهتمام بالمرافق الخدمية مثل دورات المياه والوضوء، يعتمد معظمها على أواني صغيرة لحفظ الماء مثل الأباريق التي غالبا ما تكون غير نظيفة أو ملوثة، كما أن دورات المياه تبنى بطريقة عشوائية ضيقة وغير صحية، يصاحبها انعدام شبه دائم للمياه وانبعاث الروائح الكريهة.
وتضم بعض المساجد عددا من المقيمين الدائمين من طلاب الخلاوي القادمين من مناطق نائية داخل السودان ومن دول غرب أفريقيا، يعيشون في ظروف غير صحية وبيئة تفتقر إلى التنظيم والمراقبة، مما يؤدي إلى تكدس داخل المساجد وملحقاتها وتراجع النظافة العامة، وهو ما يخلق بيئة غير مشجعة للعبادة. ومع الحرب، تفاقمت الأوضاع أكثر بسبب غياب الجهات المسؤولة وضعف الرقابة على هذه التجمعات.
وفي الوقت نفسه، رصدت الجهات الأمنية في فترات سابقة عددا من الحوادث المؤسفة داخل بعض الخلاوي والمساجد، شملت اعتداءات على الأطفال بدعوى تعليم الفقه أو تحفيظ القرآن في أوقات متأخرة، حيث يتم استغلال ضعف الإشراف للانفراد بالطفل بحجة التعليم. كما سجلت حالات أخرى تتعلق بادعاء معالجة المشاكل الأسرية بطرق غير شرعية، يقوم بها بعض من يعرفون بالفكي، ويستغلون حاجة النساء وضعف ثقافتهم الدينية، مما أدى إلى وقوع حالات تحرش واستغلال تحت غطاء العلاج الروحاني، وقد وثقت سجلات الشرطة بعضا من تلك الوقائع في مناطق مختلفة.
هذه الممارسات لا تمثل عموم طلاب العلم ولا رواد المساجد، لكنها تكشف عن خلل في النظام الإداري والتنظيمي الذي يجب إصلاحه بشكل عاجل. فالمسجد يجب أن يكون مكانا للعبادة والتربية والإصلاح، لا مأوى عشوائيا أو مركزا لممارسات خارجة عن القانون أو الدين.
إن المرحلة المقبلة من إعادة الإعمار يجب أن تشمل بيوت الله أولا، فالمساجد هي الأساس في ترسيخ الوعي الديني والاجتماعي، وينبغي أن تكون بيئة نظيفة وآمنة ومنظمة. وعلى الدولة أن تعمل عبر وزارات الأوقاف والإدارة المحلية والمنظمات المجتمعية على تأهيل المساجد وتوفير خدمات المياه والكهرباء والنظافة والتعقيم، مع ضبط الخلاوي والرقابة على أنشطتها التعليمية والدعوية.
كما يجب أن يتم تنظيم عملية تعليم القرآن والفقه ضمن معاهد متخصصة بإشراف معلمين مؤهلين، تفتح وتغلق في أوقات محددة، بعيدا عن العشوائية أو استغلال الدين في أغراض أخرى. فإعمار بيوت الله لا يعني البناء فقط، بل يشمل إعادة ضبط منظومة التعليم الديني وتنظيم الدور المجتمعي للمسجد بما يحقق الأمن الروحي والاجتماعي معا.
اخر الكلام
إعمار المساجد هو الخطوة الأولى في إعمار السودان، وبناء بيئة إيمانية آمنة تحفظ كرامة المصلين وتعيد للمسجد مكانته الحقيقية كمركز إشعاع روحي وفكري للمجتمع السوداني، فالمجتمع الذي يبدأ بإصلاح مساجده هو مجتمع يسير في الطريق الصحيح نحو نهضة شاملة في الوعي والبيئة والتنمية.
