آخر الأخبار

القبس المنير.. مؤسسة تعليمية تتحدى الحرب وتعبر الحدود

حوار – حسام الدين كرنديس

في ظل التحديات الهائلة التي تواجه الطلاب السودانيين المقيمين في مصر، وتحت ضغط الحرب التي طالت السودان لأكثر من عامين، يبرز اسم مدارس القبس المنير كأحد أبرز المشاريع التعليمية التي تبنت الطلاب السودانيين واحتضنتهم بمنهج تربوي راسخ، ورسالة إنسانية عميقة، ورؤية استراتيجية ممتدة عبر الحدود. لم يولد هذا المشروع من فراغ، بل جاء استجابة لحاجة حقيقية لطلاب وجدوا أنفسهم وسط تكاليف مرتفعة، وفصول مكتظة، وصعوبات في الاندماج داخل الأنظمة التعليمية الأخرى من قبل الحرب و قبل لجؤ السودانيين لمصر.

ومع ذلك، لم تكتفِ القبس المنير بدورها داخل مصر، بل تعمل اليوم على الإعداد لأكبر عودة تعليمية منظمة إلى السودان بإو، مستندة إلى خبرة سنوات، ونجاحات ملموسة، وفلسفة تربوية ترى أن (التربية تأتي مع التعليم).

في هذا الحوار الخاص، تتحدث وكيل عام مدارس القبس المنير ومديرة قسم اللغة العربية الأستاذة وفاء المهدي بصراحة ورؤية واضحة حول نشأة المؤسسة، توسعها، رسالتها، آلياتها التربوية، وخططها المرتقبة داخل السودان. وتقدم قراءة شاملة لمستقبل التعليم السوداني بالخارج، ودور وزارتي التربية في السودان ومصر في الحفاظ على استمرارية المسار التعليمي رغم الظروف القاسية.

* بداية.. من هي الأستاذة وفاء المهدي؟

أعرّف نفسي بأنني أستاذة و وكيلة و مديرة عامة بالإنابة بمدارس القبس المنير. عملي داخل المؤسسة لا يقتصر على الجوانب الأكاديمية فقط، بل يشمل المتابعة التربوية، الإشراف العام، تطوير الأداء، وبناء منظومة تعليمية منضبطة تراعي خصوصية الطالب السوداني في المهجر. أنا جزء من فريق عمل محترف يعمل بروح واحدة، ويضع مصلحة الطالب فوق كل اعتبار.

* كيف بدأت الفكرة؟ وما الظروف التي أنتجت هذا المشروع؟

فكرة مدارس القبس المنير بدأت في القاهرة عام2017 على يد المدير العام الأستاذ محمد عبدالله، الذي لاحظ – مثلنا جميعًا – حجم المعاناة التي يواجهها الطلاب السودانيون في مصر قبل الحرب.
أغلب الأسر لم تكن قادرة على تحمل الرسوم العالية في بعض المدارس الدولية أو الخاصة، كما أن الفصول المكتظة كانت تحدّ من التحصيل الدراسي. إضافة إلى ذلك، واجه الطلاب صعوبات في التأقلم بسبب اختلاف المناهج، وعدم وجود بيئة دراسية تستوعب ثقافتهم.

من هنا بدأت الحاجة لنظام تعليمي (يصنع فرقًا)، نظام يستوعب الطالب السوداني ويحترم هويته، ويقدم له بيئة نفسية آمنة، دون تحميل أسرته أعباء مالية مرهقة.
وفي عام 2017–2018 انطلقت الشرارة الأكبر بافتتاح أول فروع القبس في الإسكندرية؛ ذلك الفرع الذي حقق نجاحًا استثنائيًا منذ سنته الأولى، عندما تميز ثلاثة من طلابه في الامتحانات السودانية بشكل لافت.

* اليوم.. إلى أين وصلت القبس المنير داخل مصر؟

بفضل العمل المنظم، والتخطيط الواضح، والثقة التي منحنا إياها أولياء الأمور، توسعت مدارس القبس لتضم:
ستة فروع في القاهرة، فرعين في أسوان، فرعًا إضافيًا في نصر النوبة، إجمالي استيعاب يقارب 1500 طالب في كل فرع عدا اسوان ونصر النوبة
اختيار نصر النوبة لم يكن قرارًا عشوائيًا، بل جاء استجابة للنقص الكبير في الخدمات التعليمية الموجهة للطلاب السودانيين هناك. أردنا أن نكون حيث توجد الحاجة، وحيث يحتاجنا الطلاب والأسر.

* ماذا عن السودان؟ هناك حديث متكرر عن مشروع كبير هناك؟

نعم، لدينا مشروع ضخم بدأ العمل عليه والمدارس تحت التجهيز الحمد لله
القبس لم تُنشأ لتبقى في مصر فقط، بل وُجدت لتكون (جسرًا) يعود بالخبرات والنظم التعليمية إلى السودان.
وقد تم تعيين الأستاذ محمد عبدالله مديرًا عامًا لفرع السودان، وهو مكلف بالتأسيس للمشروع هناك.

ما نريد فعله في السودان ليس مجرد فتح مدارس، بل إقامة منظومة تعليمية كاملة تستفيد من التجربة المصرية، وتقدم للطالب السوداني ما يستحقه من بيئة تعليمية محترمة ومهيأة.

كما أن هناك رغبة واضحة من أولياء الأمور المقيمين في القاهرة بأن يكون للقبس المنير فروع في السودان، حتى يكونوا جزءًا من العودة الجماعية المنتظرة إلى وطن آمن ومستقيم.

* هل هناك تنسيق رسمي مع الجهات السودانية بخصوص هذه الخطوة؟

بالتأكيد. أعمال مثل هذه لا تتم دون تنسيق مباشر.
نتعاون مع: السلطات المصرية لضمان الحركة القانونية واللوجستية، الجهات السودانية لتجهيز الأرض للمشروع وقد وجدنا تفهمًا كبيرًا من الطرفين، وهو ما يؤكد أهمية التعليم كقضية فوق سياسية وفوق النزاعات.

ماذا عن الكادر التعليمي داخل مدارس القبس المنير؟ كيف تصفين هيكل المعلمين وخبراتهم؟

يضم كادر المدرسة نخبة من الأساتذة والمعلمين والمعلمات المؤهلين، يحمل معظمهم شهادات عليا، ويمتلكون خبرة تمتد لأكثر من أربع سنوات داخل المؤسسة، وهو ما يعكس استقرارها وثباتها. كما يتوزع الطاقم على جميع المراحل الدراسية بتخصصات دقيقة تلبي احتياجات الطلاب.

* التطور التكنولوجي أصبح جزءًا أساسيًا من التعليم الحديث.. كيف تواكب مدارس القبس المنير هذا التطور؟

قمنا بتطوير الفصول الدراسية وتزويدها بأحدث تقنيات التعليم الحديثة، سواء من حيث البيئة المناسبة والتكييف الكامل، أو باستخدام الشاشات الذكية والبروجكتور في بعض الحصص، ليكون الطالب على تماس مباشر مع التكنولوجيا المعاصرة ويستفيد منها ضمن إطار تربوي منضبط.

* نريد أن نتحدث عن الجانب التربوي داخل مدارس القبس.. وهو محور مهم جدًا بالنسبة للطلاب والأسر.

هذا محور أساسي لدينا. نحن نؤمن بأن التربية تسبق التعليم، وأن سلوك الطالب هو المدخل الحقيقي لنجاحه الأكاديمي.
وعلى هذا الأساس نعمل على:
احترام الوقت والانضباط اليومي، بناء الشخصية عبر أنشطة الرياضية المختلفة ، تعزيز القيم الدينية بطرق مبسطة وواقعية، التربية الوطنية: تعليم الأغاني الوطنية، معرفة الرموز الوطنية، وربط الطلاب بتاريخهم وثقافتهم، تحفيز روح الانتماء للمجتمع والهوية السودانية
لدينا مكتب متخصص للإرشاد والتوجيه التربوي، يضم أخصائيين متمرسين يتعاملون مع جميع الفئات العمرية من الصف الأول الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية.

* ماذا عن الطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة وصعوبات التعلم؟
نهتم بهم اهتمامًا خاصًا.
نوفر: أخصائي صعوبات تعلم، أخصائي دمج، متابعة أسبوعية فردية، خطط تعليمية مخصصة لكل حالة
عادة نكتشف صعوبات التعلم مبكرًا من خلال خط الطالب أو كتابته أو تشتته داخل الحصة.
نحوّل الحالة مباشرة للأخصائي دون إضاعة وقت، لأن التدخل المبكر يحدث فرقًا كبيرًا.

* الهواتف الذكية.. كيف تتعامل المدرسة مع هذا الملف؟

نعتبرها سلاحًا ذا حدين.
نسمح بها في بعض الأنشطة والظروف، لكنها ممنوعة على صغار السن، لأنها: تؤثر على التركيز، تزيد من التشتت، تسبب ضعفًا في التحصيل، تخلق فجوة بين الطالب وأسرته
ننصح الأسر بتحديد ساعات محدودة في الأسبوع، لأن الاستخدام غير المنضبط يترك آثارًا سلبية عميقة قد لا تظهر فورًا.

* المشاكل الأسرية وتأثيرها على الطلاب.. كيف تتعاملون معها؟

نحن ندرك أن الطالب الذي يأتي من بيت مضطرب يواجه صعوبات كبيرة.
لذلك نعمل مع الأسرة كفريق واحد، ونتواصل معها باستمرار لحل المشاكل قبل أن تنعكس على الدراسة.
نعتبر أنفسنا (شركاء تربويين) مع ولي الأمر، وليس مجرد مؤسسة تعليمية.

* برأيكم، كيف كان دور وزارة التربية السودانية في دعم المدارس السودانية بمصر؟

دورهما كبير وواضح.
وزارة التربية السودانية بذلت جهدًا هائلًا للحفاظ على بقاء العملية التعليمية رغم الحرب، وأصرت على استمرار الامتحانات، وعلى ترسيخ مبادئ ثابتة للتعليم السوداني في الخارج، رغم التحديات التي واجهتها، نحن كنا واثقين من حكومتنا و من الشعب المصري و السلطات المصرية في التعامل و التعاون على مستوى الدولة .
نشكر مصر دولة و رئيسا و حكومة وشعبًا فقد قدمت دعمًا كبيرًا، واحتضنت الطلاب السودانيين، ووفرت بيئة تعاون واحترام متبادل ساعدت المدارس السودانية على العمل دون عوائق نحن عاجزين عن الشكر لدولة مصر التي احتضنتنا و احتوتنا كسودانيين اخوة للشعب المصري الكلمات تعجز عن إيفائها حقها.

* أخيرًا، ما خططكم المستقبلية للتوسع؟ وهل السودان جزء من هذا المسار؟

يستعد مؤسس مدارس القبس المنير لإجراء زيارة خاصة إلى السودان، استجابة لرغبة ملحة من أولياء الأمور في القاهرة الذين طالبوا بضرورة انتقال التجربة التعليمية إلى الداخل السوداني. هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية واضحة تهدف لنقل النموذج التعليمي المطبّق في مصر وتوسيع نطاقه ليشمل السودان بعد استقرار الأوضاع، مع وعد بعودة جماعية إلى السودان الآمن لفروع مدرستنا القبس المنير .

التوسع في السودان لن يكون على حساب الفروع الموجودة في القاهرة، بل سيتم فتح فروع جديدة هناك مع استمرار العمل في مصر بشكل طبيعي. وقد تم التأكيد على أن هذه الخطوة تتم بالتنسيق الكامل مع الجهات الأمنية في كل من مصر والسودان لضمان بيئة تعليمية آمنة ومستقرة.

وتحرص المدرسة، في خطتها المستقبلية داخل السودان، على ترسيخ قيم الشجاعة والدفاع عن النفس لدى الطلاب، إلى جانب تعزيز القيم الدينية والالتزام الأخلاقي. ويجري ذلك عبر دروس تربوية وفعاليات متنوعة، مع توفير تأمين كامل للطلاب بنسبة 100% خلال تنقلاتهم.

كما تعتمد المدارس على مجموعة واسعة من الأنشطة الرياضية، تشمل الكاراتيه والسباحة وركوب الخيل، بهدف بناء شخصية متوازنة تجمع بين القوة والثقة بالنفس والانضباط.

وتؤكد المؤسسة في مجمل عملها على مبدأ التربية مع التعليم، من خلال غرس قيم احترام الوقت والالتزام بالمواعيد، وتعليم الطلاب كيفية إدارة وقتهم بفعالية عبر خطط واضحة ومنظمة. كما تولي المدرسة اهتمامًا كبيرًا بالتربية الوطنية، وتشجع الطلاب على حفظ الأغاني الوطنية والمشاركة في المناسبات القومية، إضافة إلى تعريفهم بالثقافة السودانية وتاريخ بلادهم، حتى ينشأ جيل مرتبط بهويته ومتجذر في إرثه الوطني.

الانضمام لمجموعات سودان إكسبريس في واتساب