الفن السوداني يواجه الحرب بصوت الضمير: نجوم الساحة الفنية يعلّقون حفلاتهم تضامناً مع الفاشر
أخبار سودان إكسبريس
بقلم – حسام الدين كرنديس
تشهد الساحة الفنية السودانية هذه الأيام حالة غير مسبوقة من التفاعل الإنساني والوطني، بعد تصاعد الانتهاكات المروعة التي ترتكبها المليشيا المتمردة في مدينة الفاشر. الفنانون السودانيون لم يقفوا على الحياد، بل حوّلوا صفحاتهم ومنابرهم الفنية إلى صوت للوطن والمواطنين، مستنكرين جرائم الإبادة الجماعية ضد الأبرياء من أبناء دارفور.
الفنان الملك جمال فرفور، أحد أبرز الأصوات السودانية، أعلن تأجيل حفله المقرّر في العاصمة القطرية الدوحة مطلع الشهر القادم، ونشر مقطع فيديو على صفحته الرسمية في فيسبوك بدأه بالترحّم على شهداء الفاشر، مقدّماً التعازي للشعب السوداني عامة ولأهل دارفور خاصة. فرفور وصف ما تقوم به المليشيا المتمردة بأنه “فعل غاشم وإبادة جماعية ضد المدنيين العُزّل”، مؤكداً أن الوقت لا يحتمل الفرح أو الغناء، بل هو وقت الوقوف صفاً واحداً خلف الوطن وجيشه.
وفي ذات الاتجاه، أعلن الفنان محمد بشير الدولي عن تأجيل حفله الجماهيري في الدوحة، الذي كان مقرّراً إقامته في اليوم نفسه مع فرفور، وقال في بث مباشر إن “الشعب السوداني كله مع الفاشر وبارا في وجه مجازر المليشيا المتمردة”، مؤكداً تضامنه الكامل مع المتضررين من الحرب.
أما الفنان أحمد فتح الله، فقد نشر عبر صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي خبراً عن تأجيل حفله الجماهيري تضامناً مع الضحايا، داعياً جميع الفنانين إلى اتخاذ موقف وطني موحّد يعكس ضمير الشعب السوداني الحي.
الفنان سجاد بحري بدوره أوقف كل أنشطته الفنية، وخصّص صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي بالكامل لدعم القوات المسلحة السودانية ونقل أخبار الحرب وانتهاكات المليشيا، محذّراً من الأخبار المضللة التي تبثها جهات منظّمة بهدف كسر الروح المعنوية للمواطنين.
كما أعلن الفنان عثمان بشه في بيان صريح نشره على صفحته قائلاً:
“من هذه اللحظة، صفحتي تتوقف عن نشر أي محتوى لا يخص الفاشر وإنسانها، ولا صوت يعلو فوق صوت معاناتهم. كل منشور سيكون دعماً لقواتنا وأهلنا في الميدان… الإعلام سلاح، وأنا اخترت أن أحمله بصدق ووعي ومسؤولية.”
وقد لقي هذا الموقف تفاعلاً كبيراً بين جمهوره ومتابعيه الذين وصفوه بـ”الفنان الواعي الذي يعرف قيمة الكلمة وأثرها في المعركة”.
من جانبه، أطلق الفنان مامون سوار الدهب مبادرة إنسانية أعلن فيها عزمه على تنظيم حملة شاملة لتوفير الغذاء والدواء للنازحين من أهل الفاشر، مؤكداً أن “الوقت الآن وقت الفعل لا القول”.
وفي بادرة مجتمعية، أعلن رائد البازارات محمد جاكيت إلغاء البازار رقم (15) الذي كان مقرّراً في منتجع عين الحياة، قائلاً:
“ما في نفس نعمل حاجة والبلد في الحالة دي… احتراماً لأهلي السودانيين، ألغيت البازار ووجّهت الأموال للمكان الصحيح، لأهلنا المتضررين في الفاشر.”
هكذا تتحوّل الساحة الفنية السودانية اليوم إلى ساحة وعي وضمير وطني، يعلو فيها صوت الفنانين على أصوات المدافع. هؤلاء الفنانون اختاروا أن يكونوا جزءاً من مقاومة الكلمة، وأن يستخدموا شهرتهم لنصرة المظلومين وفضح جرائم الحرب التي تُمارس بحق المدنيين في دارفور.
لقد أثبتت هذه المواقف أن الفن السوداني ليس ترفاً أو زينة اجتماعية، بل هو جزء أصيل من وجدان الأمة وضميرها الجمعي. فعبر التاريخ، كان الفنان السوداني حاضراً في كل مراحل الوطن، يُغني للثوار، ويُمجّد الشهداء، ويُواسي المكلومين، وينحاز للحق كلما اشتدت الأزمات. واليوم، في ظل ما تتعرض له الفاشر من إبادة وانتهاكات، يتجدّد هذا الدور، حيث تحوّل الفنانون إلى إعلاميين وناشطين يواجهون التضليل بالمعلومة، واليأس بالأمل، والسكون بالفعل.
إن المواقف التي اتخذها الفنانون في هذه الأيام القاسية ليست مجرد تضامن عابر، بل هي رسالة عميقة تقول إن الكلمة الصادقة قد تكون أقوى من الرصاص، وإن الفن أحد أسلحة الوعي التي تحمي السودان من الانقسام والضياع.
فالفن السوداني سيظل درعاً للوطن ومرآةً لنبض الناس، مهما حاولت الحرب أن تُطفئ نوره أو تُعطّل صوته، لأن جذوره ضاربة في تراب هذا البلد، وموسيقاه تنبض بالعزّة والإيمان والرجاء.
