عمار محمد آدم… حين يرحل الضوء ولا يغيب

 د. مصطفى سيد مبارك

 صباحا حزينا هذا الذي زارت شمسه الخرطوم اليوم، ارتجفت الكلمة، وارتدى القلم سواد الغياب. رحل عمار محمد آدم ببساطة كما عاش ببساطة ، الرجل الذي كان يكتب كما يُصلّي، ويتحدّث كما يَتَنَفَّس الصدق. لم يكن رحيله مجرّد غياب جسد، بل انطفاء مصباحٍ ظلّ طيلة عمره يضيء الطريق للآخرين، دون أن يسأل عن أجرٍ أو تصفيق.

 كان إذا كتب، أنصت الحبر له بخشوع، وإذا تكلم، أضاءت في كلامه لمعة الإيمان بالحقيقة التي تعري كل زيف . لم يكن الصحفي عنده وظيفة، بل قدرًا ورسالة، ولا الكلمة عنده حروفًا، بل نبضًا يُكتب بالدم والصدق معًا.

من القرير إلى كسلا، ومن جامعة الخرطوم إلى منابر الإعلام الحر، ظلّ عمار يسافر في دروب الكلمة كما يسافر المتصوّف في دروب النور — نقيًّا، متطهّرًا من الزيف، مُمتلئًا بمحبة الناس والوطن. كتب عن السياسة كما يكتب الشاعر عن الحنين، وهاجم الباطل كما يهاجم الفارس ليل الظلم. لم يخشَ سلطةً، ولم يطلب رضى أحدٍ سوى ضميره.

كان يؤمن أن الصحافة ليست حرفة العناوين، بل مهنة الضمير. لذلك عاشها بكلّ ما فيها من تعبٍ وجمال، من ألمٍ وأمل. كان صديقًا لكلّ الأجيال، يسمع الشابَّ في بداياته كما يسمع الكبير في تجربته، يقاسمهم الخبرة والنصيحة، ويمنحهم من نقائه ما يكفي ليؤمنوا أن في هذا العالم مكانًا للصدق.

وفي سنواته الأخيرة، حين أنهكته الحروب والأوجاع والخذلان، ظلّ صامدًا، يكتب بالكلمة نفسها التي قاوم بها كل العواصف. وعندما هاجمته الحُمّى — حُمّى الضنك — لم تُطفئ فيه جذوة الإيمان ولا ضحكته التي كانت تُشبه غصنًا من سلام. رحل بهدوء، كما يرحل الكبار، تاركًا وراءه ضجيجًا من الحبّ في قلوب مَن عرفوه.

لقد كان عمار محمد آدم واحدًا من أولئك الذين يكتبون بأخلاقهم قبل أقلامهم، ويتركون في كلّ سطرٍ أثرًا لا يُمحى. لم يخلّف ثروةً من مال، بل ترك ثروةً من المعنى. ترك لنا وصية مكتوبة بحبر قلبه: الشجاعة هي وقود الكلمة

سلامٌ عليك يا عمار، يوم ولدت في القُرير، ويوم حملت الكلمة سيفًا في وجه الباطل، ويوم رحلت عنّا لتسكن في الذاكرة حيث لا يموت النبلاء.

نم قرير العين يا ابن الضوء، فالحقيقة التي أحببتها باقية، والكلمة التي كتبتها صارت صلاةً تُتلى كلّما اشتدّ ظلام هذا الوطن.

الانضمام لمجموعات سودان إكسبريس في واتساب