عودة الإمبراطور… تقرير فني عن الحفل التاريخي للفنان أحمد الصادق

تقرير – حسام الدين كرنديس

تشهد الساحة الفنية السودانية لحظات فارقة بين حين وآخر، لكن بعض اللحظات لا تكون مجرد حدث فني، بل تتحول إلى ظاهرة اجتماعية تمتد من حدود المسرح إلى الشارع، ومن الجمهور إلى الوطن بأكمله.
هذا تماما ما حدث في ليلة عودة الإمبراطور الكجونكا أحمد الصادق من بوابة القاهرة، بعد غياب امتد لسبع سنوات بسبب ظروف صحية وسياسية وأسرية.
كانت عودة منتظرة، عودة لفنان ظل جمهوره وفيا لصوته وذكرياته وأغنياته، فنان احتفظ بمكانته رغم الغياب، وظل جزءا من الوجدان السوداني.

حفل القاهرة… حضور ضخم وروح تمتد إلى السودان

احتضنت القاهرة حفلا استثنائيا للإمبراطور، شهد حضورا كبيرا من محبيه داخل مصر وخارجها.
تجاوز الحدث حدود الساحة، اتوا من كل مدن مصر و حواريها، منذ ساعات العصر البدري بدأت الملامح الاولى للمشهد تتشكل في المكان، موجات من الناس تتدفق بلا توقف، اطفال يسبقون خطوات اهلهم بحماسة، شباب يتزاحمون بطاقة لا تخطئ، وكبار جاءوا بوقارهم وذكرياتهم القديمة مع اغنيات الامبراطور. مشهد يشبه نهر بشري عظيم يفيض بالحياة، حيث امتزجت فيه كل الاعمار وكل الوجوه وكل انماط المجتمع السوداني في لوحة واحدة.
كان المشهد يزداد روعة كلما اقتربت الساعة من زمن الحفل. فنانين، ملحنين، شعراء، اعلاميين، عمال، موظفين، طلاب، اسر كاملة، كلهم حضروا كأنهم على موعد مع لحظة ينتظرونها منذ زمن. جاءوا من كل مدن مصر و قراها و حواريها، يحملون الحنين نفسه، الشغف ذاته، والرغبة العميقة في رؤية الامبراطور على المسرح. بعضهم قطع مسافات طويلة، وبعضهم وصل منذ الظهيرة كي يحجز مقعدا اقرب للخشبة، كأن الوجود بالقرب من احمد الصادق جزء من طقوس الفرح نفسها.
وحين صعد الامبراطور الى المسرح، اهتز المكان كما لو ان الارض تنفست دفعة واحدة. ارتفعت الهتافات، وتمازجت الاصوات، وتحولت الساحة الى كورال ضخم يردد كل اغنياته بلا استثناء. لم يكن الجمهور مجرد مستمع، بل كان شريكا في الغناء، يرفع الكلمات من اعماق ذاكرته الجماعية، ويرددها بقدر من الشغف يكفي لاضاءة المكان كله.
كان ذلك المشهد شهادة حية على محبة لا تصنعها الدعاية ولا تصنعها الصدفة، بل يبنيها الفنان الحقيقي في قلوب الناس عبر السنين. جمهور الامبراطور لم يحضر حفلا فقط، بل حضر ليعيش لحظة نادرة، لحظة اجتماع الوطن بوجوهه المختلفة في مساحة واحدة من الفرح، من ساعات العصر وحتى اخر الليل، على وعد واحد: ان صوت الامبراطور يساوي كل هذا الانتظار.
كما تم نقل الحفل مباشر للكافيهات بمدينة الخرطوم وأمدرمان، وتحولت بعض الشوارع في العاصمة إلى تجمعات تتابع الحدث لحظة بلحظة.
كما شهد الحفل حضور رموز الفن والطرب، من بينهم كمال ترباس، عثمان بشه، علي الشيخ، العميد أحمد محمد أحمد عوض، ود راوة، محمد الريان، وليد حميدة، إضافة إلى حضور لافت لعدد من الفنانات.

تبرع إنساني يعكس أصالة الفنان

أعلن أحمد قبل بداية الحفل أن عائده سيتم التبرع به لنازحي مدينة الفاشر.
خطوة وجدت تقديرا واسعا، وأكدت أن الفنان الحقيقي يظل قريبا من هموم الناس وجراحهم، وأن دوره لا يتوقف عند حدود المسرح.

سبع سنوات من الغياب… أسباب صنعت الفجوة

ابتعد أحمد الصادق عن المسرح لسنوات طويلة، نتيجة لعدة ظروف:
المرض، الثورة والظروف السياسية – وفاة والده – غياب الاستقرار الفني
هذه السنوات صنعت فجوة، لكنها زادت من قيمة لحظة العودة، لأن الجمهور ظل ينتظرها بشغف نادر.

تغير الصوت… اختلاف الآراء واتفاق على الحب

بعد الحفل ظهرت نقاشات واسعة عن تغير صوت الإمبراطور.
البعض قال إنه بسبب المرض، والبعض بسبب غياب البروفات، وآخرون رأوا أن الغياب الطويل أثر على الأداء.
لكن ما اتفق عليه الجمهور هو أن ظهور أحمد وحده يكفي، وأن حضوره على المسرح كان أهم من أي شيء آخر.
بل قال بعضهم عبارة أصبحت متداولة:
(أحمد اقعد في كرسي في المسرح، ونحن الجمهور نغني الأغنيات.)

أمدرمان تشتعل لحظة بث الحفل

بث الحفل مباشرة أشعل شوارع أمدرمان، حيث خرج شباب يهتفون ويرددون أغنيات الإمبراطور، وانتشرت مواكب سيارات تضرب البوري احتفالا بعودته.
كان المشهد دليلا على أن أحمد ليس فقط فنانا، بل حالة وجدانية مرتبطة بذاكرة المدينة وروحها.

السوشيال ميديا تشتعل بعودة الإمبراطور

انتشرت المقاطع والتفاعلات على منصات التواصل الاجتماعي، وتصدر أحمد الترند السوداني خلال ساعات الحفل وبعده.
شارك الإعلاميون والمحتوى الرقمي والمؤثرون بتخصصاتهم المختلفة في تغطية الحدث، مما حوله إلى واحدة من أكبر الليالي الفنية السودانية خلال السنوات الأخيرة.

الكجونكات… جمهور لا يشبه غيره

جمهور الكجونكات هو أحد أسرار نجاح الإمبراطور.
ليسوا مجرد مستمعين، بل مجتمع كامل له ثقافته الخاصة، يتعامل مع الفنان كجزء من حياته وليس فقط كصوت جميل.
يصنعون المقاطع، يرددون الأغنيات في الشوارع، يحفظون تفاصيل مشواره، ويحولون حفلاته إلى مهرجانات.
هم الجمهور الذي انتظر سبع سنوات دون أن يتراجع، والجمهور الذي أعاد استقباله بفرح لا يشبه أي فرح.

أبرز أعمال الإمبراطور أحمد الصادق

يمتلك أحمد مجموعة من الأغنيات التي صنعت اسمه ورسخت مكانته، من أبرزها:
من شدة الشوق العلي، سافري تصحبك السلامة، بحر الريد، انت الأول، ادمنت ريدك، الناس ظروف، مين زينا، الله بعلم، خسارة ريد، كل سنة وانت طيبة، انا المهجور، انت الله ليك، يا حنين طول غيابك.

هذه الأغنيات شكلت هويته الفنية، وجعلته واحدا من أهم الأصوات الشبابية في السودان.

توقيت عودة الإمبراطور يحمل دلالات مهمة:

يدل على حاجة الناس لجرعة فرح وسط الظروف الصعبة، يؤكد أن الفنان الحقيقي لا يفقد مكانته مهما طال الغياب، يكشف أن الجمهور ما زال يملك القدرة على صناعة الحدث، يعكس أن أحمد قادر على استعادة بريقه إذا واصل حفلاته خلال الفترة القادمة ما حدث في القاهرة ليس مجرد حفل، بل علامة واضحة على أن للفن قوة لا يمكن التقليل منها، وأن الجمهور السوداني ما زال مؤمنا بنجومه.

عودة أحمد الصادق كانت لحظة فرح كبيرة للسودانيين. لحظة أعادت ذكريات، وأحيت مشاعر، وأكدت أن الإمبراطور ما زال قادرا على صنع الدهشة.

الانضمام لمجموعات سودان إكسبريس في واتساب